كنت أميل إليه قبل الوقوف عليه، و التأويل الأخير أصح من الأول لأن قوله: أنزل علي آنفا يدفع كونها نزلت قبل ذلك، بل نقول: نزلت في تلك الحالة و ليس الإغفاء إغفاءة نوم بل الحالة التي كانت تعتريه عند الوحي، فقد ذكر العلماء أنه كان يؤخذ عن الدنيا. انتهى.
السابع: مجيء الوحي كدوي النحل.
روى الإمام أحمد و الحاكم، عن عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه قال: كان رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) «إذا أنزل عليه يسمع عند وجهه كدويّ النحل» [1].
الثامن: العلم الذي يلقيه اللَّه تعالى في قلبه و على لسانه عند الاجتهاد في الأحكام.
لأنه اتّفق على أنه (صلّى اللّه عليه و سلم) إذا اجتهد أصاب قطعا و كان معصوما عن الخطأ و هذا خرق للعادة في حقه (صلّى اللّه عليه و سلم) دون الأمة، و هو يفارق النّفث في الرّوع من حيث حصوله بالاجتهاد و النفث بدونه. قال في إرشاد الساري: و يعكّر عليه أن الظاهر من كلام الأصوليين أن اجتهاده (صلّى اللّه عليه و سلم) و الوحي قسمان. انتهى.
هذا ما وقفت عليه من صفات الوحي.
و أما صفة حامله: فمجيء جبريل (عليه الصلاة و السلام) في صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح يتناثر من أجنحته اللؤلؤ و الياقوت، و قد وقع ذلك مرتين: مرة في السماء ليلة المعراج، و مرة في الأرض، كما سيأتي بسط ذلك في أبواب المعراج.
و مجيئه في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشّعر.
و في صورة دحية الكلبي.
و مجيئه في صورة رجل غير دحية.
نزول الوحي على لسان ملك الجبال كما سيأتي بيان ذلك في باب سفره إلى الطائف و نزوله على لسان إسرافيل، كما تقدم بيان ذلك.
تنبيهات
الأول: ذكر الإمام الحليمي (رحمه اللّه تعالى) أن الوحي كان يأتي النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) على ستة و أربعين نوعا، فذكرها. قال الحافظ: و غالبها من صفة حامل الوحي و مجموعها يدخل فيما ذكر.
الثاني: استشكل تشبيه مجيء الوحي بصلصلة الجرس إذ المحمود لا يشبّه بالمذموم،