قال الحافظ: و هذا محمول على ما كان قبل نزول قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ كما تقدم فإن الملك قد تمثّل رجلا في صور كثيرة و لم يتفلّت ما أتاه به، كما في قصة مجيئه في صورة دحية و في صورة أعرابي، و غير ذلك، و كلها في الصحيح.
الرابع: أن يكلمه اللَّه تعالى بلا واسطة من وراء حجاب في اليقظة كما في ليلة الإسراء على القول بعدم الرؤية.
الخامس: أن يكلمه اللَّه تعالى كفاحا بغير حجاب على القول بالرؤية ليلة الإسراء.
و سيأتي بسط ذلك في أبوابه.
قال الشيخ (رحمه اللّه تعالى): و ليس في القرآن من هذا النوع شيء فيما أعلم، نعم يمكن أن يعدّ منه آخر سورة البقرة و بعض سورة الضحى و ألم نشرح، فقد
روى ابن أبي حاتم من حديث عدي بن ثابت قال: قال رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «سألت ربي مسألة و وددت أني لم أكن سألته، قلت: أي ربّ اتخذت إبراهيم خليلا و كلّمت موسى تكليما، فقال يا محمد: ألم أجدك يتيما فآويت و ضالا فهديت و عائلا فأغنيت، و شرحت لك صدرك و حططت عنك وزرك و رفعت لك ذكرك فلا أذكر إلا ذكرت معي»
في حديث معاذ عند الترمذي: «أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى»
و يأتي بتمامه في أبواب مناماته.
و ذكر بعضهم من هذا سورة الكوثر لما
رواه مسلم عن أنس قال: بينا رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع بصره مبتسما فقرأ: بسم اللَّه الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَإلى آخرها.
و قال الإمام الرافعي (رحمه اللّه تعالى) في أماليه: فهم فاهمون من الأحاديث أن السورة نزلت في تلك الإغفاءة و قالوا من الوحي ما كان يأتيه في النوم لأن رؤيا الأنبياء وحي.
قال: و هذا صحيح لكن الأشبه أن يقال: القرآن كله نزل في اليقظة و كأنه خطر له في النوم سورة الكوثر المنزلة في اليقظة، أو عرض عليه الكوثر الذي وردت فيه السورة فقرأها عليهم و فسّرها لهم.
قال: و ورد في بعض الروايات أنه أغمي عليه و قد يحمل ذلك على الحالة التي تعتريه عند نزول الوحي و يقال لها برحاء الوحي.
قال الشيخ (رحمه اللّه تعالى): و هذا الذي قاله الإمام الرافعي في غاية الاتجاه، و هو الذي