و قال مجاهد (رحمه اللّه تعالى): كان رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يرى من خلفه من الصفوف كما يرى من بين يديه.
رواه الحميديّ و أبو زرعة الرازي في دلائله.
فائدة: ذكر القاضي (رحمه اللّه تعالى) أنه (صلّى اللّه عليه و سلم) كان يرى في الثريّا أحد عشر نجما.
و ذكر السّهيلي (رحمه اللّه تعالى) أنه (صلّى اللّه عليه و سلم) كان يرى فيها اثني عشر نجما. و بالأول جزم أبو عبد اللَّه القرطبي في كتاب «أسماء النبي (صلّى اللّه عليه و سلم)» حيث نظم ذلك فقال (رحمه اللّه تعالى):
و هو الّذى يرى النّجوم الخافية* * * مبيّنات في السّماء العاليه
إحدى عشر قد عدّ في الثريّا* * * لناظر سواه ما تهيّا
قال في: «القول المكرم» و هذا لم أقف له على أصل يستند إليه. و الناس يذكرون أن الثريا لا تزيد على تسعة أنجم فيما يرون. انتهى.
تنبيهات
الأول: قال القاضي: إنما حدثت هذه الآية له (صلّى اللّه عليه و سلم) بعد ليلة الإسراء كما أن موسى (صلّى اللّه عليه و سلم) كان يرى النّملة السوداء في الليلة الظّلماء من مسيرة عشرة فراسخ بعد ليلة الطّور.
الثاني: هذه الرؤية رؤية إدراك، و الرؤية لا تتوقف على وجود آلتها التي هي العين عند أهل الحقّ و لا شعاع و لا مقابلة، و هذا بالنسبة إلى الباري تعالى. أما المخلوق فتتوقف صفة الرؤية في حقه (صلّى اللّه عليه و سلم)، و خالق البصر في العين قادر على خلقه في غيرها.
قال الحرّاني (رحمه اللّه تعالى): و هذه الآية قد جعلها اللَّه تعالى دالة على ما في حقيقة أمره من الاطلاع الباطن، لسعة علمه و معرفته، لما عرف بربه لا بنفسه أطلعه اللَّه تعالى على ما بين يديه مما تقدم من أمر اللَّه و على ما وراء الوقت مما تأخر من أمر اللَّه تعالى. فلما كان على ذلك من الإحاطة في إدراك مدركات القلوب جعل اللَّه تعالى له (صلّى اللّه عليه و سلم) مثل ذلك في مدركات العيون، فكان يرى المحسوسات من وراء ظهره كما يراها من بين يديه.
و من الغرائب ما ذكره بختيار محب بن محمود الزاهد شارح القدوريّ في رسالته الناصريّة أنه (صلّى اللّه عليه و سلم) كان له بين كتفيه عينان كسمّ الخياط يبصر بهما لا تحجبهما الثياب. و قيل:
بل كانت صورهم تنطبع في حائط قبلته كما تنطبع في المرآة أمثلتهم فيها فيشاهد أفعالهم.
قال الحافظ: و هذا إن كان نقلا عن الشارع بطريق صحيح فمقبول و إلا فليس المقام مقام رأي، على أن الأقعد في إثبات كونها معجزة حملها على الإدراك من غير آلة.
و قال ابن المنيّر (رحمه اللّه تعالى): لا حاجة إلى تأويله لأنه في معنى تعطيل لفظ الشارع من غير ضرورة.