و أحوال بدن الإنسان ثلاثة: الصّحّة، و المرض و حالة لا صحّة و لا مرض كالنّاقة، و هو الّذي برئ من مرضه و لم يرجع لحالته الأولى، و الشّيخة.
فالصّحّة هيئة بدنية تكون الأفعال معها سليمة، فالعافية أفضل ما أنعم الله على الإنسان بعد الإسلام، إذ لا يتمكّن الإنسان من حسن تصرّفه و القيام بطاعة ربّه إلا بوجودها، و لا مثل لها، فليشكرها العبد و لا يكفرها.
و قد قال- (صلّى اللّه عليه و سلّم)-: «نعمتان مغبون فيهما كثير من النّاس: الصّحّة و الفراغ» [1] رواه البخاريّ.
و قال- (عليه الصلاة و السلام)-: «سلوا اللّه، العفو و العافية، فإنّه ما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من معافاة» [2] رواه النّسائيّ.
و عنه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)-: «ما سئل الله شيئا أحبّ إليه من أن يسأل العافية» [3] رواه الترمذي.
و سأل أعرابي رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- فقال: يا رسول اللّه، ما أسأل الله بعد الصّلوات؟ قال:
«سل الله العافية».
و في حكمة داود- (عليه الصلاة و السلام)-: «العافية ملك خفيّ و غمّ ساعة هرم سنة».
و قيل: العافية تاج على رؤوس الأصحّاء، لا يبصرها إلا المرضى.
و قيل: العافية نعمة مغفول عنها.
و كان بعض السلف يقول: كم لله من نعمة تحت كل عرق ساكن، اللهم، ارزقنا العفو و العافية في الدّين و الدّنيا و الآخرة.
و المرض: حالة مضادّة للصّحّة يخرج بها الجسم عن المجرى الطبيعيّ، و كل مرض له ابتداء فيزيد، و انحطاط و انتهاء، و
الأسباب ستّة:
أحدها:
الهواء، و يضطرّ إليه لتعديل الرّوح، فما دام صافيا لا يخالطه نتن و ريح خبيثة، كان حافظا للصّحة، فإن تغيّر تغير حكمه، و كل فصل فإنه يورث الأمراض المناسبة له و يزيل المضادّة له، فالصّيف يثير الصّفراء، و يوجب أمراضها، و يبرئ الأمراض الباردة، و الهواء البارد يشدّ البدن و يقوّيه، و يجيد الهضم، و الحارّ بالضّدّ، و عند تغير الهواء يكون الوباء.