الباب الأول في مشروعية التوسل به- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- إلى اللّه تبارك و تعالى
قال الإمام السبكيّ- (رحمه اللّه تعالى)-: اعلم أن الاستعانة و التشفع بالنبي- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- و بجاهه و بركته إلى ربه تبارك و تعالى من فعل الأنبياء- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- و سير السلف الصالحين واقع في كل حال، قبل خلقه و بعد خلقه، في مدة حياته الدنيوية، و مدة البرزخ [و بعد البعث] و عرصات القيامة، و ذلك مما قام الإجماع عليه و تواترت به الأخبار، و إذا جاز السؤال بالأعمال كما في حديث الغار الصحيح، و هي مخلوقة، فالسؤال بالنبي- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- أولى، و في العادة أن من له عند شخص قدر يتوسّل به إليه في غيبته، فإنه يجيب إكراما للمتوسل به، و قد يكون ذكر المحبوب أو المعظّم سببا للإجابة و لا فرق في هذا بين التعبير بالتوسّل، أو الاستعانة، أو لتشفع أو السّجود، و معناه: التوجه بذي الحاجة، و قد يتوجّه بمن له جاه إلى من هو أعلى منه، و كيف لا يتشفع و يتوسل بمن له المقام المحمود و الجاه عند مولاه، بل يجوز التوسل بسائر الصالحين، كما قاله السبكي، و إن نقل بعضهم عن ابن عبد السّلام ما يقتضي أن اللّه تعالى يختص بتعظيم من خلقه، فينبغي أن يكون مقصورا على نبينا- (صلّى اللّه عليه و سلّم)-.
الباب الثاني في ذكر من توسل به قبل خلقه من الأنبياء- (صلّى اللّه عليه و سلّم)-
روى الحاكم و الطبراني و البيهقيّ عن عمر بن الخطاب- رضي اللّه تعالى عنه- قال:
قال رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)-: «لمّا اقترف آدم الخطيئة قال: يا ربّ أسألك بحقّ محمد لما غفرت لي، فقال اللّه: يا آدم، و كيف عرفت محمدا و لم أخلقه؟ قال: يا ربّ لأنّك لما خلقتني بيدك، و نفخت فيّ من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا، لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه، فعلمت أنّك لم تضف إلى اسمك إلا أحبّ الخلق إليك، فقال تعالى: [صدقت يا آدم إنّه لأحب الخلق إليّ إذا سألتني بحقّه غفرت لك] و لو لا محمّد ما خلقتك» و تقدم هذا الحديث في باب خلق آدم و جميع المخلوقات لأجله- (صلّى اللّه عليه و سلّم)-، و تقدمت شواهده هناك، و قد بشّر به موسى و عيسى- صلى الله عليهما و سلم حين وجداه في التوراة و الإنجيل، كما أخبر اللّه تعالى في كتابه المجيد، فكانا يتوسلان إلى اللّه تعالى به- (صلّى اللّه عليه و سلّم)-.