«ادن فكل» فأخذت آكل من التمر، فقال: «أ تأكل تمرا و بك رمد»؟ فقلت: يا رسول اللّه أمصه من الناحية الأخرى، فتبسم رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- و في لفظ: دخلت على النبي- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- فوجدته يتغذى و بين يديه تمر و ترثم من خبز و الترثم هو الخبز المفتوت و أنا أشتكي عيني فوقعت في التمر آكله فقال رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)-: يا صهيب أ تأكل على عينيك و أنت رمد، فقلت: أنا آكل على شقي الصحيح، و أنا أمزح مع النبي- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- قال: فضحك رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- حتى نظرت إلى نواجذه
و روى فيه عن أم سلمة قالت: كان رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- «إذا رمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها» [2].
تنبيهان:
الأول: الرّمد ورم حارّ يصعد من المعدة إلى الدّماغ، فإن اندفع إلى الخياشيم أحدث الزّكام أو إلى العين أحدث الرّمد أو إلى اللّهاة و المنخرين أحدث الخناق بالخاء المعجمة و النون، أو إلى الصدر أحدث النّزلة، أو إلى القلب أحدث الخبطة و إن لم ينحدر طلب نفاذا، فلم يجد أحدث الصّداع.
الكمأة: بفتح الكاف و سكون الميم و همزة مفتوحة: نبات لا ورق له و لا ساق يوجد في الأرض من غير أن يزرع.
و قوله: «من المن» قيل: إنه من المنّ المنزل على بني إسرائيل.
قال الخطابي: ليس المراد أنها نوع من المنّ الذي أنزل الله تعالى على بني إسرائيل، فإن الذي أنزل على بني إسرائيل كان كالترنجبين الذي يسقط على الشجر، و إنما المعنى أن الكمأة شيء ينبت من غير تكلف ببذر و لا سقي، و إنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة، لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة.
قال ابن الجوزي: في المراد بكونها شفاء للعين قولان:
أحدهما: أنه ماؤها حقيقة إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفا في العين، لكن اختلفوا كيف يصنع به على رأيين:
أحدهما: أنه يخلط في الأدوية التي يكتحل بها حكاها أبو عبيد.
ثانيهما: أنه يشق و يوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها، ثم يؤخذ الميل فيجعل في