النبي- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- قد كان يشهد مع المشركين مشاهدهم فسمع ملكين خلفه، أحدهما يقول لصاحبه: اذهب حتى تقوم خلفه فقال الآخر: كيف أقوم خلفه و عهده باستلام الأصنام؟ فلم يشهدهم بعد.
[فهذا حديث] أنكره الإمام أحمد جدّا، و قال: هو موضوع أو شبيه بالموضوع.
و أما عصمتهم بعد النبوة، فقد قال القاضي: اعلم أنّ الطوارئ من التغيرات و الآفات على آحاد البشر لا يخلو أن تطرأ على جسمه أو حواسه بغير قصد و اختيار، كالأمراض و الأسقام، أو بقصد و اختيار، و كله في الحقيقة عمل و فعل، و لكن جرى رسم المشايخ بتفصيله إلى ثلاثة أنواع: [عمل بالجوارح، و عقد بالقلب، و قول باللسان].
الأول: عمل بالجوارح و جميع البشر تطرأ عليهم الآفات و التغيرات بالاختيار و بغير الاختيار في هذه الوجوه كلّها.
و النبي- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- و إن كان من البشر، و يجوز على جبلّته ما يجوز على جبلة البشر. فقد قال: قامت البراهين القاطعة، و تمت كلمة الإجماع على خروجه عنهم و تنزيهه عن كثير من الآفات التي تقع على الاختيار و على غير الاختيار، كما سنبينه- إن شاء اللّه تعالى- فيما يأتي من التفاصيل.
و الكلام على ذلك يتضمن ثلاثة فصول:
الفصل الأول في حكم عقد قلب النبيّ- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- [من وقت نبوته] قال القاضي: اعلم أنّ ما تعلّق منه بطريق التوحيد و العلم باللّه و صفاته، و الإيمان به، و بما أوحي إليه، فعلى غاية المعرفة، و وضوح العلم و اليقين و الانتفاء عن الجهل بشيء من ذلك، أو الشك، أو الرّيب فيه، و العصمة من كلّ ما يضادّ المعرفة بذلك اليقين.
هذا ما وقع إجماع المسلمين عليه، و لا يصح بالبراهين الواضحة أن يكون في عقود الأنبياء سواه، و لا يعترض على هذا بقول إبراهيم (عليه السلام) قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.
قال القاضي: و ذهب معظم الحذاق من العلماء المفسرين إلى أنه إنما قال و ذلك تبكيتا لقومه، و مستدلا عليهم.
قيل: معناه الاستفهام الوارد مورد الإنكار، و المراد: فهذا ربي.
قال الزجاج: قوله هذا رَبِّي [الأنعام 76] على قولكم: كما قال تعالى أَيْنَ شُرَكائِيَ [النحل 27] أي: عندكم و يدل على أنه لم يعبد شيئا من ذلك و لا أشرك قطّ باللّه