الباب السادس في وجوب مناصحته (صلّى اللّه عليه و سلّم)
قال اللّه تعالى: وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة 91].
قال أهل التفسير: معناه: إذا كانوا مخلصين في أفعالهم و أقوالهم، مسلمين في السّر و العلانية.
روى مسلم و أبو داود عن تميم الدّاريّ- رضي اللّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)-: «إنّ الدّين النّصيحة، إنّ الدّين النّصيحة إنّ الدّين النّصيحة. قيل: لمن يا رسول اللّه، قال: للّه و لرسوله و لكتابه و لأئمّة المسلمين و عامّتهم».
[قال القاضي: قال أئمّتنا أي: من المالكيّة: النّصيحة للّه و رسوله و أئمّة المسلمين و عامّتهم واجبة] [1]، و قال الإمام أبو سليمان البستيّ حمد الخطابي: النّصيحة كلمة يعبّر بها عن جملة إرادة الخير للمنصوح له، و ليس يمكن أن يعبّر عنها بكلمة واحدة تحصرها و تجمع معناها غيرها، و معناها في اللّغة: الإخلاص من قولهم نصحت العسل إذا خلّصته من شمعه بنار لطيفة، و قال أبو بكر بن أبي إسحاق الخفّاف:- بخاء معجمة، بفاءين، أولاهما مشددة بينهما ألف- النصح فعل الشيء الذي به الصّلاح و الملاءمة، مأخوذ من النّصاح- بنون مكسورة و صاد مهملة مفتوحة و ألف و حاء مهملة-، و هو الخيط الذي يخاط به الثوب، فنصيحة اللّه تعالى الإيمان به، و صحة الاعتقاد له بالوحدانية، و وصفه بما هو أهله، بدون إلحاد في صفاته، و تنزيهه عما لا يجوز عليه و لا يليق به ممّا يوهم نقصا و البعد من جميع ما يسخطه و لا يرضاه، و الإخلاص في عبادته، بأن تفرده بالقصد من غير شرك و لا رياء.
و النّصيحة لكتابه الإيمان به: أي التصديق بأن كلام اللّه تعالى بما اشتمل عليه من أحكام و مواعظ و أمثال (و عموم)، و العمل بما فيه من المحكم و التسليم للمتشابه، و التّخشّع عند تحسين تلاوته و التعظيم له، و التّفقّه في معانيه، و الذّبّ عنه من تأويل الغالين و طعن الملحدين.
و النّصيحة لرسوله التصديق بنبوّته، و بذل الطّاعة له فيما أمر به و نهى عنه و قال الخفاف:
نصيحة الرسول- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- موازرته و نصرته و حمايته حيّا و ميّتا، و إحياء سنّته بالعمل بها و الذّبّ عنها، و نشرها، و التّخلّق بأخلافه الكريمة و آدابه الجميلة، و قال أبو إبراهيم إسحاق التّجيبي