و بأن الإمام لا يكون بعده إلا واحدا و لم يكن الأنبياء قبله كذلك قاله ابن سراقة.
الثانية و الأربعون:
و بأن اللّه تبارك و تعالى بدأ بالعفو قبل التأنيب و المخاطبة قبل أن يعرف الذنب، فقال- جل و علا-: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة/ 43] أي لأي شيء أذنت لهم لأنك لو لم تأذن لهم عن الخروج معك و عند قعودهم عنك بعد نهيك لهم تبين لك صدقهم من كذبهم، لأنهم لا يخرجون معك بكل حال.
قال الحسين بن منصور الأصطخري: الأنبياء يؤمنون على مقاديرهم و اختلاف مقاماتهم فمنهم من نبه ثم أنسيه و لو لم ينه بعد التأنيب لتفطن كما قال نوح- (عليه السلام)- إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود/ 46].
و منهم من أنسيه ثم نبه ليفطن لقربه منه، و ذلك أنه- سبحانه و تعالى- أمر نبيه محمد (صلّى اللّه عليه و سلّم) في سورة النور أن يأذن لمن شاء منهم بقوله فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ [النور/ 62] و قال في سورة التوبة مرتين له عن ذلك عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة/ 43] فلو قال: لم أذنت لهم عفا اللّه عنك لأذنب و هذا ليس يذنب و لكن بالإضافة إلى الشرف و مقام الترقيات تقدم العفو عنه و قدره و رفع محله بالدعاء له كما يقال الكريم عفا اللّه عنك بما صنعت و قيل: لم يكن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) يعرف المنافقين حتى نزلت سورة براءة.
الثالثة و الأربعون:
و بأنه من تكلّم في عهده (صلّى اللّه عليه و سلّم) و هو يخطب بطلت صلاته.
الرابعة و الأربعون:
و بأنه لا يجوز لأحد الخروج عن مجلسه (صلّى اللّه عليه و سلّم) إلا بإذنه قال اللّه تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور/ 62]، الآية.
و روى ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان- رضي اللّه تعالى عنه- قال كان لا يصح للرجل أن يخرج من المسجد إلا بإذن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) في يوم الجمعة بعد ما يأخذ في الخطبة، و كان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بإصبعه إلى النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) فيأذن لهم من غير أن يتكلّم الرجل منهم، و كان إذا تكلّم و النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) يخطب بطلت جمعته.
الخامسة و الأربعون:
و بمبالغته (صلّى اللّه عليه و سلّم) في الأدب مع ربه- عز و جل- في حال سروره و غضبه.
قال ابن دحية: ألا ترى إلى قوله تعالى حكاية عن موسى (صلّى اللّه عليه و سلّم) في قوله حالة شدة خوفه إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء/ 62] فقدم اسمه على اسم ربه فلذلك أشركت أمته بالعجل و أما النبي فإنه في شدته قال لأبي بكر و هما في الغار لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة/ 40] فقدم اسم ربه على اسمه فعصمت أمته من الشرك، و أنزلت السكينة في قلوبهم، السكينة