بقوله «فيراني في اليقظة» أي أن من رآني رؤية معظم لحرمتي و مشتاق إلى مشاهدتي، وصل إلى رؤية محبوبه، و ظفر بكل مطلوبه، قال: و يجوز أن يكون مقصود تلك الرؤيا معنى صورته و هو دينه و شريعته فيعبر بحسب ما يراه الرائي من زيادة أو نقصان أو إساءة أو إحسان قال الحافظ: و هذا جواب سابع، و الذي قبله لم يظهر لي فإن ظهر فهو ثامن.
التنبيه الثاني قال الزركشي في «الخادم»: قال العلماء إنما يصح رؤية النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) لأحد رجلين:
أحدهما: صحابي فرآه فعلم صفته [1] فانطبع في نفسه مثاله، فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان.
و ثانيهما: رجل تكرّرت عليه صفاته (صلّى اللّه عليه و سلّم) المنقولة في الكتب حتى انطبعت صفاته في نفسه و مثاله المعصوم كما حصل ذلك لمن شاهده و رآه، فإذا رآه جزم برؤية مثاله (صلّى اللّه عليه و سلّم) كما جزم به من رآه و أما غير هذين فلا يحصل الجزم بل يجوز أن يكون رأى النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلّم) بمثاله و يحتمل أن يكون من تخيّل الشيطان، و لا يفيده قوله للذي رآه أنا رسول اللّه و لا قول من يحضر معه، ذكر ذلك القرافي في كتاب «القواعد» و أخذ بعض ذلك من كلام شيخه ابن عبد السلام قال فإذا تقرر هذا فكيف يقولون أن الذي رآه شيخا أو شابا أو أسود أو أبيض إلى غير ذلك من الصّفات.
و الجواب أن هذه صفات الرائين و أحوالهم تظهر فيه و هو كالمراد له قلت لبعض مشايخي فكيف يبقى المثال مع هذه الأحوال المعتادة [2] فقال لي لو كان لك أب شاب فغبت عنه ثم جئته فوجدته شيخا أو أصابه يرقان فاصفر أو أسود أو غير ذلك، أ كنت تشك أنه أبوك؟ قلت لا، قال ما ذاك إلا لما ثبت في نفسك مثاله المتقدم عندك فذلك ثبت عنده حال النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) هكذا لا يشكّ فيه مع عروض هذه الأحوال، فإذا صح له و انضبط فالسّواد يدلّ على ظلم الرّائي، و العمى يدل على عدم إيمانه، لأنه إدراك ذهب إلى غير ذلك.
الثالث: قال في أصل الروضة: لا يعمل بما يسمعه منه الرائي (صلّى اللّه عليه و سلّم) مما يتعلق بالأحكام لعدم ضبط الرائي [3] لا الشك في الرؤية فإن الخبر لا يقبل إلا من ضابط مكلف و النائم بخلافه و ذكر نحوه ابن الصلاح في فتاويه و قال ليس ذلك لعدم الوثوق بالمرئي بل من جهة عدم الوثوق بضبط الرائي و أن حالة النوم حالة غفلة و بطلان القوة الحافظة لما يجري في النوم على التفصيل انتهى.