و بأنّ نكاحه ينعقد بلفظ الهبة على الأظهر لقوله تعالى وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ [الأحزاب/ 50].
قال الرّافعيّ: و على قولنا بالانعقاد فلا يجب المهر بالفعل و لا بالدّخول كما هي قضيّة الهبة، و هل يكفي لها لفظ الاتهاب من جهته أيضا كما يكفي من جهة المرأة أو يشترط منه لفظ النّكاح؟ وجهان أصحّهما الثّاني، لظاهر قوله: أَنْ يَسْتَنْكِحَها [...] فاعتبر في جانبه النّكاح.
و روى ابن سعد و البيهقيّ عن الشّعبي في قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ [الأحزاب/ 51] قال: كلّ نساء وهبن أنفسهنّ للنّبيّ (صلّى اللّه عليه و سلّم) فدخل ببعضهنّ و أرجى بعضا فلم ينكحن بعده، منهن أمّ شريك.
و روى سعيد بن منصور و البيهقي عن ابن المسيّب قال: لا تحلّ الهبة لأحد بعد النّبيّ (صلّى اللّه عليه و سلّم).
الرابعة:
و بأنّه إذا رغب في نكاح امرأة و خطبها، فإن كانت خطبة لزمتها الإجابة، و لأنّها إذا خالفت أمره كانت عاصية، و إن خالفت إرادته و رغبته كانت غير راضية بقوله و فعله، و ذلك عصيان عظيم يؤدّي إلى الكفر فيلزمها الإجابة، و يحرم على غيره خطبتها، لما فيه من المضارّة لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) و استدل الماورديّ بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال/ 24].
الخامسة:
قيل: و بأنّه إذا وقع بصره على امرأة، فوقعت منه موقعا وجب على الزّوج تطليقها، لقصّة زيد، قاله الغزالي. قال: و لعلّ السّرّ فيه من جانب الزّوج امتحان إيمانه بتكليفه النّزول عن أهله، و لعلّ السّرّ فيه من جانب النّبيّ (صلّى اللّه عليه و سلّم) ابتلاؤه ببليّة البشر، و منعه من خائنة الأعين، و من الإضمار الّذي يخالف الإظهار، و لذلك قال تعالى: وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ..
[الأحزاب/ 37] الآية، ليس فيها كما ترى ما يدلّ على أنّه أوجب الطّلاق على زيد، و ظاهر الآية أنّ زيدا طلّقها باختياره، لقوله تعالى فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً [الأحزاب/ 37] و أما السّنّة فليس فيها ما يقضي إيجاب الطّلاق عليه، و قد سبق إلى تفسير قصّة زيد على النّحو الذي ذكره الغزاليّ جماعة من المفسّرين فزعموا أن النّبيّ (صلّى اللّه عليه و سلّم) وقع منه استحسان لزينب و هي في عصمة زيد، و كان النّبيّ (صلّى اللّه عليه و سلّم) حريصا على أن يطلّقها زيد فيتزوّجها هو، ثم إنّ زيدا لما أخبره بأنّه يريد فراقها و يشكو منها غلظة قولها و عصيانها، و أذى باللسان و تعظما بالشرف قال له:
أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب/ 37] أي فيما تقول و هو يخفي الحرص على