يخصّ رسوله في هذا الفيء ما لم يعطه أحدا غيره، فقال: وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر/ 6]. فكانت هذه خاصّة لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) فكان ينفق على أهله نفقتهم سنة ثم يأخذ ما بقي، فيجعله مجعل مال اللّه، فعمل بذلك حياته، فقال أبو بكر: أنا أولى برسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) فعمل فيه بما عمل فيه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم).
و روى أبو داود و الحاكم عن عمرو بن عنبسة- رضي اللّه تعالى عنه- قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم): «لا يحلّ لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس، و الخمس مردود فيكم».
العاشرة:
و بدخول مكّة بغير إحرام على القول بوجوبه في حقّ غيره على تفصيل فيه، و الأصحّ استحبابه.
روى مسلم عن جابر- رضي اللّه تعالى عنه- أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) دخل مكّة يوم الفتح و عليه عمامة سوداء بغير إحرام.
و ذكر القضاعي أن ذلك ممّا اختص به دون من قبله من الأنبياء، و تقدّمت أحاديث في ذلك في باب لباسه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)-.
الحادية عشرة:
و بأنّ مكّة أحلّت له ساعة من نهار.
قال القضاعي: خصّ بذلك من بين سائر الأنبياء.
الثانية عشرة:
و بأنّ ماله لا يورث عنه و كذلك الأنبياء، عليهم أن يوصوا بكلّ مالهم صدقة.
روى الشّيخان عن عائشة- رضي اللّه تعالى عنها- أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) قال: «لا نورث ما تركناه صدقة».
و روى النّسائي أنّ عمر بن الخطّاب- رضي اللّه تعالى عنه- قال لعبد الرّحمن و سعد و عثمان و طلحة و الزّبير: أ تشهدوا باللّه الذي قامت له السموات و الأرض، أ سمعتم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) يقول: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة؟ قالوا: اللّهمّ، نعم.
و الحكمة في أن الأنبياء لا يورثون، أن لا يظنّ بهم مبطل أنهم يجمعون الدّنيا لورثتهم، فقطع اللّه ظنّ المبطل، و لم يجعل للورثة شيئا.
و قال الشيخ نصر الدين المقدسيّ: المعنى و اللّه تعالى أعلم- أنّ الأنبياء- (صلوات اللّه و سلامه عليهم)- لا يورثون، لأنه يقع في قلب الإنسان شهوة موت مورّثه ليأخذ ماله في الغالب، فنزّه اللّه تعالى الأنبياء و أهاليهم عن مثل ذلك، فقطع الإرث عنهم.