الباب التاسع و العشرون في إخباره (صلّى اللّه عليه و سلّم) بحال أبي ذر رضي اللّه تعالى عنه
روى أحمد بن منيع و ابن حبّان، و النسائي في الكبرى و ابن ماجة مختصرا عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) قال: «يا أبا ذرّ، كيف تصنع، إن أخرجت من المدينة؟» قال:
للسّعة و الدّعة إلى مكة فأكون حمامة من حمام مكّة، قال: «فكيف تصنع إذا أخرجت من مكة؟» قال: للسّعة و الدّعة، إلى الشام و الأرض المقدسة، قال: «فكيف تصنع إذا أخرجت من الشام؟» قال: قلت: و الذي بعثك بالحقّ أضع سيفي على عاتقي و أقاتل حتى أموت قال: «أو خير من ذلك؟ تسمع و تطيع و إن كان عبدا حبشيّا».
و روى الإمام أحمد عنه قال: بينا أنا نائم في المسجد خرج رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) فضربني برجله و قال: «ألا أراك نائما فيه؟» قلت: يا نبيّ اللّه، غلبتني عيني. قال: «كيف تصنع إذا أخرجت منه»، قال: آتي الشّام و الأرض المقدسة. قال: «فكيف تصنع إذا أخرجت منه» قال: ما أصنع يا نبيّ اللّه أضرب بسيفي. فقال النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم): «ألا أدّلك على ما هو خير لك من ذلك و أقرب رشدا تسمع و تطيع و تنساق لهم حيث ساقوك» قال أبو ذر: و اللّه، لألقين اللّه، و أنا سامع مطيع لعثمان.
و روى الإمام أحمد و إسحاق عن القرظيّ (رحمه اللّه تعالى) قال: خرج أبو ذرّ رضي اللّه عنه إلى الرّبذة فأصابه قدره، فأوصاهم أن غسّلوني و كفّنوني، ثم ضعوني على قارعة الطريق، فأوّل ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذرّ صاحب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) فأعينونا على غسله و دفنه ففعلوا، فأقبل عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه في ركب من العراق، و قد وضعت الجنازة على قارعة الطريق،
فقام عليه غلام، فقال: هذا أبو ذرّ صاحب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) قال: فبكى عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) يقول: «تمشي وحدك، و تموت وحدك و تبعث وحدك».
و روى الإمام أحمد عن مجاهد عن إبراهيم يعني ابن الأشتر عن أبيه قال: أن أبا ذر حضره الموت، و هو بالرّبذة، فبكت امرأته، قال: ما يبكيك؟ قالت: و ما لي لا أبكي و أنت تموت بفلاة من الأرض و ليس عندي ثوب يسع لك كفنا فقال: لا تبكي، فإني سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) يقول: «ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الأرض فيشهده عصابة من المؤمنين»،
فكل من كان معي (في المجلس) [1] مات في جماعة و قرية فلم يبق منهم غيري، و قد