و زاد في شفاء الغرام تبعا للسّهيلي: و قيل: لأن اللّه تعالى حين قال للسماوات و الأرض، ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت: 11] لم يجبه بهذه المقالة من الأرض إلا أرض الحرم، و لذلك حرّمها.
و قال الزركشي (رحمه اللّه تعالى) في الإعلام: فإن قيل: ما الحكمة في تحديد الحرم؟
قيل فيه وجوه: أحدها التزام ما ثبت له من الأحكام و تبيين ما اختص به من البركات. الثاني:
ذكر أن الحجر الأسود لما أتي به من الجنة كان أبيض مستنيرا أضاء منه نور، فحيثما انتهى ذلك النور كانت حدود الحرم. و هذا معنى مناسب و الأمر فوق ذلك.
الثالث: أنه أنوار موضوعة من العالم الأعلى ربّاني، و سرّ روحاني، توجّه إلى تلك البقاع. و يذكر أهل المشاهدات أنهم يشاهدون تلك الأنوار واصلة إلى حدود الحرم، و لها منار ينبع منها و يكون عنها في الحرمين و الأرض المقدسة.
ذكر علامات الحرم قال ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما: أول من نصب أنصاب الحرم إبراهيم يريه ذلك جبريل، فلما كان يوم الفتح بعث رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) تميم بن أسد الخزاعي فجدّد ما رثّ منها. رواه ابن سعد و الأزرقي.
و روى الأزرقي عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة [1] (رحمه اللّه تعالى) قال: إن إبراهيم (صلّى اللّه عليه و سلم) نصب أنصاب الحرم يريه جبريل (صلّى اللّه عليه و سلم) ثم لم تحرّك حتى كان قصىّ فجددها، ثم لم تحرك حتى كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يوم الفتح، فبعث عام الفتح تميم بن أسد الخزاعي فجددها.
رثّ الشيء يرثّ بالكسر و أرثّ: خلق.
[1] عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد اللّه، المدني، ثقة فقيه، ثبت، من الثالثة، مات سنة أربع و تسعين، و قيل سنة ثمان، و قيل غير ذلك. التقريب 1/ 535.