أجاب: اللَّه يقبض الأنفس حين انقضاء أجلها بموت أجسادها، فلا يردها إلى أجسادها، و اللَّه يقبضها أيضا عند نومها، فيمسك التي قضى عليها الموت بموت أجسادها، فلا يردها إلى أجسادها، و يرسل الأخرى التي لم تقبض بموت أجسادها حتى تعود إلى أجسادها، إلى أن يأتى الأجل المسمى لموتها.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، لدلالات المتفكرين، على عظيم قدرة اللَّه سبحانه، و على أمر البعث، فإن الاستيقاظ بعد النوم شبيه و دليل عليه.
و قد نقل أن في التوراة: يا ابن آدم، كلما تنام تموت، و كلما تستيقظ تبعث، فهذا واضح، و الّذي يشكل في ذلك أن النفس المتوفاة في المنام أ هي الروح المتوفاة عند الموت؟ أم هي غيرها؟ فإن كانت هي الروح فتوفيها في النوم يكون بمفارقتها الجسد أم لا؟ و قد أعوز الحديث الصحيح، و النص الصريح، و الإجماع أيضا لوقوع الخلاف فيه بين العلماء:
فمنهم: من يرى أن للإنسان نفسا تتوفى عند منامه، غير النفس التي هي الروح، و الروح لا تفارق الجسد عند النوم، و تلك النفس المتوفاة في النوم هي التي يكون بها التمييز و الفهم، و أما الروح: فيها تكون الحياة، و لا تقبض إلا عند الموت، و يروى معنى هذا عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما.
و منهم: من ذهب إلى أن النفس التي تتوفى عند النوم هي الروح نفسها، و اختلف هؤلاء في توفيها:
فمنهم: من يذهب إلى أن معنى وفاة الروح بالنوم قبضها عن التصرفات مع بقائها في الجسد، و هذا موافق للأول من وجه، و مخالف من وجه.
و منهم: من ذهب إلى أن الروح تتوفى عند النوم، بقبضها من الجسد و مفارقتها له، و هذا الّذي نجيب به، و هو الأشبه بظاهر الكتاب و السنة.
قال المفسرون: إن أرواح الأحياء و الأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء اللَّه، فإذا أرادت جميعها الرجوع إلى أجسادها، أمسك اللَّه أرواح الأموات عنده، و حبسها، و أرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها.
فالفرق بين القبضتين و الوفاتين أن الروح في حالة النوم تفارق الجسد على أنها تعود إليه، فلا
نام کتاب : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال و الأموال و الحفدة و المتاع نویسنده : المقريزي، تقي الدين جلد : 8 صفحه : 92