نام کتاب : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال و الأموال و الحفدة و المتاع نویسنده : المقريزي، تقي الدين جلد : 4 صفحه : 235
و يظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يصنع خطبة أو قصيدة، يستفرغ فيها جهده، ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا، ثم [يعطي] [1] لآخر نظيره فيأخذها بقريحة جامة فيبذل فيها جهده، و ينقح، ثم لا يزال [كذلك] [1] و فيها مواضع للنظر و البدل، و كتاب اللَّه تعالى لو نزعت منه لفظه ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد (انتهى).
فلما عجزت قريش عن الإتيان بمثله و قالت: أن النبي (صلى اللَّه عليه و سلم) تقوّله، أنزل اللَّه تعالى: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ[2]، ثم أنزل تعجيزا لهم أبلغ من ذلك فقال: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ[3]، فلما عجزوا حطهم عن هذا المقدار فقال:
وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ[4]، فأفحموا عن الجواب، و عدلوا إلى المحاربة [5]، حتى أظهر اللَّه دينه.
و لو قدروا على المعارضة لكان أهون و أبلغ في الحجة، هذا مع كونهم أرباب البلاغة و الفصاحة [و البيان] [6]، فبلاغة القرآن في [أعلى] [1] طبقات الإحسان، و أرفع درجات الإعجاز و البيان، و بها قامت الحجة على العرب، و قامت الحجة على العالم، فالعرب إذا كانوا أرباب الفصاحة [و أقاموا] [6] المعارضة، كما قامت الحجة في معجزة عيسى (عليه السلام) على الأطباء، و معجزة موسى (عليه السلام) على السحرة، فإن اللَّه تعالى إنما جعل معجزات الأنبياء (عليهم السلام) بالوجه الشهير أبرع ما يكون في زمان النبي الّذي أراد إظهاره، و كان السحر في زمن موسى قد انتهى إلى غايته، [و كذلك] [7] الطب في زمن عيسى، و الفصاحة في زمن محمد (صلى اللَّه عليه و سلم).