نام کتاب : المواهب اللدنية بالمنح المحمدية نویسنده : أحمد بن محمد القسطلاني جلد : 2 صفحه : 563
و إن قلنا إن المراد بها القرآن فهو استدلال بمعجزته- صلى اللّه عليه و سلم- على صدقه و براءته، و أنه ما ضل و لا غوى، و إن قلنا إن المراد النبات، فالنبات به نبات القوى الجسمانية و صلاحها، و القوى العقلية أولى بالصلاح، و ذلك بالرسل و إيضاح السبل. و تأمل كيف قال تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ[1] و لم يقل:
ما ضل محمد، تأكيدا لإقامة الحجة عليهم بأنه صاحبهم، و هم أعلم الخلق به و بحاله و أقواله و أعماله، و أنهم لا يعرفونه بكذب و لا غى و لا ضلال، و لا ينقمون عليه أمرا واحدا قط، و قد نبه تعالى على هذا المعنى بقوله عز و جل:
أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ[2]. ثم نزه نطق رسوله- صلى اللّه عليه و سلم- أن يصدر عن هوى فقال تعالى: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى[3] و لم يقل:
و ما ينطق بالهوى، لأن نفى نطقه عن الهوى أبلغ، فإنه يتضمن أن نطقه لا يصدر عن هوى، و إذا لم يصدر عن هوى فكيف ينطق به، فيتضمن هو الأمرين: نفى الهوى عن مصدر النطق، و نفيه عن النطق نفسه، فنطقه بالحق و مصدره الهدى و الرشاد، لا الغى و الضلال.
ثم قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى[4] فأعاد الضمير على المصدر المفهوم من الفعل، أى: ما نطقه إلا وحى يوحى، و هذا أحسن من جعل الضمير عائدا إلى القرآن، فإن نطقه بالقرآن و السنة، و إن كليهما وحى، قال اللّه تعالى: وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ[5] و هما القرآن و السنة.
و ذكر الأوزاعى عن حسان بن عطية قال: كان جبريل ينزل على رسول اللّه- صلى اللّه عليه و سلم- بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن يعلمه إياها.
ثم أخبر تعالى فى وصف من علمه الوحى و القرآن بما يعلم أنه مضاد لأوصاف الشيطان معلم الضلال و الغواية فقال: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى[6]