و بركاته، فقال: عوف بن مالك؟ فقلت: نعم بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه، قال:
أخبرني، فأخبرته بما كان من مسيرنا و ما كان بين أبي عبيدة بن الجراح و بين عمرو، و مطاوعة أبي عبيدة لعمرو، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم): يرحم اللّه أبا عبيدة بن الجراح، و أخبرته بمنع عمرو رضي اللّه تعالى عنه للمسلمين من اتباع العدو، و من إيقاد النار، و من صلاته بأصحابه و هو جنب، فلما قدم عليه عمرو كلمه (صلى اللّه عليه و سلم) في ذلك قال:
كرهت أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم، و كرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفون عليهم، فحمد رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) أمره. قال عمرو: و سألني عن صلاتي فقال:
يا عمرو صليت بأصحابك و أنت جنب؟ فقلت: و الذي بعثك بالحق إني لو اغتسلت لمت، لم أجد بردا قط مثله، و قد قال اللّه تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:
الآية 195] فضحك (صلى اللّه عليه و سلم) اه.
أي و يحتاج أئمتنا إلى الجواب عن صلاة الصحابة خلفه، فإني لم أقف على أنه (صلى اللّه عليه و سلم) أمرهم بالقضاء.
سرية الخبط و هو ورق السمر
بعث رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) أبا عبيدة بن الجراح في ثلاثمائة رجل من المهاجرين و الأنصار فيهم عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه إلى حي من جهينة في ساحل البحر، و قيل ليرصدوا عيرا لقريش، أي و عليه فتكون هذه السرية قبل الهدنة الواقعة في الحديبية، لما تقدم أنه (صلى اللّه عليه و سلم) بعد الهدنة لم يكن يرصد عيرا لقريش إلى الفتح، و تعدد سرية الخبط بعيد، فلا يقال يجوز أن تكون سرية الخبط مرتين: مرة قبل الهدنة، و مرة بعدها، و من ثم حكم على هذا القول بأنه و هم. فأقاموا بالساحل نصف شهر، فأصابهم جوع شديد حتى أكلوا الخبط: أي كانوا يبلونه بالماء و يأكلونه حتى تقرحت أشداقهم. فإن أبا عبيدة رضي اللّه تعالى عنه كان يعطي الواحد منهم في اليوم و الليلة تمرة واحدة يمصها ثم يصرها في ثوبه.
أي و عن الزبير رضي اللّه تعالى عنه أنه قيل له: كيف كنتم تصنعون بالتمرة؟
قال: نمصها كما يمص الصبي ثدي أمه، ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا إلى الليل، لأنه (صلى اللّه عليه و سلم) زوّدهم جرابا من تمر، فجعل أبو عبيدة رضي اللّه تعالى عنه يقوتهم إياه، حتى صار يعدّه لهم عدا، حتى كان يعطي الواحد تمرة كل يوم ثم بعد التمر أكلوا الخبط.
و لما رأى قيس بن سعد بن عبادة رضي اللّه تعالى عنهما ما بالمسلمين من جهد الجوع أي مشقته، أي و قال قائلهم: و اللّه لو لقينا عدّوا ما كان منا حركة إليه لما بالناس من الجهد، قال: من يشتري مني تمرا أو فيه له في المدينة بجزر يوفيها إليّ