رجل، فاقتفوا آثارهم حتى وجدوا نوى تمر أكلوا في منزل نزلوه، أي فإن منهم امرأة كانت ترعى غنما فرأت النوى فقالت: هذا تمر يثرب، فصاحت في قومها: أتيتم، فتبعوهم إلى أن وجدوهم في المحل المذكور، فلما أحسوا بهم لجؤوا إلى موضع من جبل هناك: أي صعدوا إليه، فأحاطوا بهم، و قالوا لهم: انزلوا و لكم العهد أن لا نقتل منكم أحدا، فقال عاصم رضي اللّه تعالى عنه: أما أنا فلا أنزل على ذمة: أي أمان و عهد كافر، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما، أي و ستة منهم، و صار عاصم يرميهم بالنبل و ينشد أبياتا منها:
الموت حق و الحياة باطل* * * و كل ما قضى الإله نازل
بالمرء و المرء إليه آئل
و لا زال يرميهم حتى فنيت نبله، ثم طاعنهم حتى انكسرت رمحه، ثم سل سيفه. و قال: اللهم إني حميت دينك صدر النهار فاحم لحمي آخره، و نزل إليهم ثلاثة على العهد و هم: خبيب، و زيد، و عبد اللّه بن طارق رضي اللّه تعالى عنهم، فلما أمسكوهم أطلقوا أوتارا قسيهم فربطوا خبيثا و زيدا و امتنع عبد اللّه، و قال: هذا أول الغدر: أي ترك الوفاء بعهد اللّه، و اللّه لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء يعني القتلى أسوة فعالجوه، فأبي أن يصحبهم أي فقتلوه كما في الصحيح، و قيل صحبهم إلى أن كانوا بمر الظهران يريدون مكة، انتزع عبد اللّه يده منهم، ثم أخذ سيفه و استأخر عن القوم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه، و انطلقوا بخبيب و زيد، أي و دخلوا بهما مكة في شهر القعدة، فباعوهما بأسيرين من هذيل كانا بمكة، أي و قيل بيع كل بخمسين من الإبل، أي و قيل بيع خبيب بأمة سوداء، فابتاع بنو الحارث بن عامر خبيبا، قيل لأنه قتل الحارث يوم بدر كما في البخاري.
و تعقب بأن المعروف عندهم أن قاتل الحارث يوم بدر إنما هو خبيب بن إساف الخزرجي، أي و قيل القاتل له علي (كرم اللّه وجهه)، و خبيب بن عدي هذا أوسي لم يشهد بدرا عند أحد من أرباب المغازي، أي و قيل في هذا تضعيف الحديث الصحيح.
ثم رأيت الحافظ ابن حجر (رحمه اللّه) ذكر أنه لزم من هذا رد الحديث الصحيح، و لو لم يقتل خبيب بن عدي الحارث بن عامر ما كان لاعتناء آل الحارث بشرائه و قتله به معنى، إلا أن يقال لكونه من قبيلة قاتله و هم الأنصار. و ابتاع زيدا صفوان بن أمية رضي اللّه تعالى عنه، فإنه أسلم بعد ذلك ليقتله بأبيه، فحبسوهما إلى أن تنقضي الأشهر الحرم، و استعار خبيب رضي اللّه تعالى عنه و هو محبوس موسى من بنت الحارث. و في الصحيح من بعض بنات الحارث ليستحدّ بها: أي يحلق بها عانته، فدرج لها ابن صغير و هي غافلة عنه حتى أتى إلى خبيب رضي اللّه تعالى عنه،