و دعا رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) بلوائه و هو معقود لم يحل، فدفعه لعلي بن أبي طالب (كرم اللّه وجهه)، و يقال لأبي بكر الصديق رضي اللّه عنه و استخلف على المدينة ابن أم مكتوم. و ركب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) فرسه: أي المسمى بالسكب، و لم يكن مع أصحابه فرس سواه، و عليه الدرع و المغفر و ما يرى إلا عيناه و خرج الناس معه: أي جميع من كان معه (صلى اللّه عليه و سلم) في أحد.
و عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها أنها قالت في قوله تعالى الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ [آل عمران: الآية 172] الآية، قالت لعروة بن الزبير:
يا بن أختي كان أبوك الزبير رضي اللّه عنه و أبو بكر لما أصاب نبيّ اللّه ما أصاب يوم أحد و انصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال: من يرجع في أثرهم، فانتدب منهم سبعون رجلا. قال ابن كثير و هذا السياق غريب جدا، فإن المشهور عند أصحاب المغازي أن الذي خرجوا مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) إلى حمراء الأسد كل من شهد أحدا و كانوا سبعمائة كما تقدم، قتل منهم سبعون و بقي الباقي، هذا كلامه فليتأمل مع ما تقدم.
قال: و الظاهر أنه لا تخالف، لأن معنى قولها يعني عائشة: أنهم سبقوا غيرهم، ثم تلاحق بهم الباقون و خرجوا و بهم الجراحات و لم يعرجوا على دواء جراحاتهم: أي لم يلتفتوا لذلك، و المراد دواء غير تكميد جراحهم بالنار، و هو أن تسخن خرقة و توضع على العضو الوجع، و يتابع ذلك مرة بعد أخرى ليسكن الوجع، فلا يخالف أنهم فعلوا ذلك: أي أوقدوا النيران يكمدون بها جراحاتهم تلك الليلة.
فمنهم من كان به تسع جراحات و هو أسيد بن حضير رضي اللّه عنه، و عقبة بن عامر رضي اللّه عنه. و منهم من كان به عشر جراحات، و هو خراش بن الصمة رضي اللّه عنه و منهم من كان به بضع عشرة جراحة، و هو كعب بن مالك رضي اللّه عنه.
و منهم من كان به بضع و سبعون جراحة، و هو طلحة بن عبيد اللّه، و قطعت أصبعه.
قيل السبابة، و قيل البنصر فشلت بقية أصابع يده و هي اليسرى. و في رواية أنامله كما تقدم. و منهم من كان به عشرون جراحة، و هو عبد الرحمن بن عوف كما تقدم: أي و جرح من بني سلمة أربعون جريحا فقال (صلى اللّه عليه و سلم) لما رآهم «اللهم ارحم بني سلمة».
و خرج رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) و هو مجروح، و في وجهه أثر الحلقتين، و مشجوج في وجهه، و مكسورة رباعيته و شفته السفلى قد جرحت من باطنها: أي و في المنتقى:
و شفته العليا قد كلمت من باطنها متوهن منكبه الأيمن لضربة ابن قمئة لعنه اللّه، و ركبتاه مجروحتان من وقعته في الحفيرة، و تلقاه (صلى اللّه عليه و سلم) طلحة بن عبيد اللّه رضي اللّه عنه، فقال له يا طلحة أين سلاحك؟ فقال: قريب، فذهب و أتى بسلاحه و بصدره تسع جراحات من تلك الجراحات التي به، و هي كما تقدم بضع و سبعون جراحة.
يقول طلحة و أنا أهم بجراح رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) مني بجراحي. ثم أقبل عليّ رسول اللّه