لما خلعوا يزيد بن معاوية. و كان ذلك سببا لوقعة الحرة و لم تمثل قريش بحنظلة رضي اللّه عنه لكون والده معهم الذي هو أبو عامر الراهب لعنه اللّه.
و في الإمتاع: و جعل أبو قتادة الأنصاري يريد التمثيل من قريش لما رأى من المثلة بالمسلمين، فقال له (صلى اللّه عليه و سلم) «يا أبا قتادة إن قريشا أهل أمانة، من بغاهم العواثر أكبه اللّه تعالى إلى فيه، و عسى إن طالت بك مدة أن تحقر عملك مع أعمالهم و فعالك مع فعالهم. لو لا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند اللّه. فقال أبو قتادة:
و اللّه يا رسول اللّه ما غضبت إلا للّه و لرسوله، فقال: صدقت، بئس القوم كانوا لنبيهم» قال: و جاء «أنه (صلى اللّه عليه و سلم) همّ أن يدعو عليهم، فنزلت الآية المذكورة أي لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران: الآية 128] فكف عن الدعاء عليهم» أي و فيه أنها نزلت بعد قوله «اللهم العن فلانا و فلانا» إلى آخر ما تقدم عن بعض الروايات، إلا أن يقال أراد (صلى اللّه عليه و سلم) المداومة على الدعاء عليهم. و عن أبي سعيد الساعدي قال: ذهبنا إلى حنظلة رضي اللّه عنه فإذا رأسه يقطر ماء انتهى.
أي فعلم أنه لا منافاة بين كونه (صلى اللّه عليه و سلم) دعا عليهم و بين كونه همّ بالدعاء عليهم، لأنه يجوز أن يكون المراد همّ بتكرير الدعاء عليهم. و في البخاري و مسلم و النسائي عن جابر رضي اللّه عنه قال: «قال رجل يوم أحد لرسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) إن قتلت فأين أنا؟
قال في الجنة فألقى تمرات كن في يده فقاتل حتى قتل» قال في طرح التثريب، قال الخطيب: كانت هذه القصة يوم بدر لا يوم أحد، فأشار إلى تضعيف رواية الصحيحين التي فيها يوم أحد، و لا توجيه لذلك، بل التضعيف تفسير هذه بهذه: أي جعلهما قصة واحدة و كل منهما صحيحة و هما قصتان لشخصين. هذا كلامه، و قد تقدّم في غزاة بدر الحوالة على هذه فليتأمل، أي و أقبل رجل من المشركين مقنعا بالحديد يقول أنا ابن عويف فتلقاه رشيد الأنصاري الفارسي فضربه على عاتقه فقطع الدرع و قال خذها و أنا الغلام الفارسي؛ و رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) يرى ذلك و يسمعه، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) «هلا قلت خذها و أنا الغلام الأنصاري» فعرض لرشيد أخو ذلك المقتول بعد و كأنه كلب و هو يقول: أنا ابن عويف فضربه رشيد على رأسه و عليه المغفر ففلق رأسه و قال: خذها و أنا الغلام الأنصاري، فتبسم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) و قال:
«أحسنت يا أبا عبد اللّه» و كان يومئذ لا ولد له.
و قتل عمرو بن الجموح رضي اللّه عنه، و كان أعرج شديد العرج، و كان له بنون أربعة مثل الأسد، يشهدون مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) المشاهد. فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه و قالوا له: قد عذرك اللّه، فأتى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) فقال: إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك، فو اللّه إني أريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة فقال له رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم): «أما أنت فقد أعذرك اللّه فلا جهاد عليك، و قال لبنيه: ما عليكم أن