ثم إن الناس وثبوا على جعال ليقتلوه فتبرأ من ذلك القول، و شهدت له خوات بن جبير و أبو بردة بأن جعالا كان عندهما و بجنبهما حين صرخ ذلك الصارخ.
و قيل المنادي بذلك إزب العقبة، قال ذلك ثلاث مرات، أي لأنه لما بلغ رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) ما صرخ الشيطان به قال: هذا إزب العقبة بكسر الهمزة و سكون الزاي، و الإزب: القصير كما تقدم.
و قد ذكر أن عبد اللّه بن الزبير رأى رجلا طوله شبران على رحله فقال: ما أنت؟ قال إزب، قال: ما إزب؟ قال: رجل من الجن، فضربه على رأسه بعود السوط حتى هرب، أي و يجوز أن يكون ذلك صدر من الثلاثة، و هم ابن قمئة، و إبليس و إزب العقبة، فرجعت الهزيمة على المسلمين، أي و قال قائل: يا عباد اللّه أخراكم: أي احترزوا من جهة أخراكم، فعطف المسلمون على أخراهم يقتل بعضهم بعضا و هم لا يشعرون، و انهزمت طائفة منهم إلى جهة المدينة و لم يدخلوها. و قال رجال من المسلمين حيث قتل رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) ارجعوا إلى قومكم يؤمنوكم. و قال آخرون: إن كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) قد قتل أ فلا تقاتلون على دين نبيكم و على ما كان عليه نبيكم حتى تلقوا اللّه شهداء.
أي و في «الإمتاع» أن ثابت بن الدحداح: قال يا معشر الأنصار إن كان محمد قد قتل فإن اللّه حيّ لا يموت، قاتلوا على دينكم، فإن اللّه مظفركم و ناصركم، فنهض إليه نفر من الأنصار، فحمل بهم على كتيبة فيها خالد بن الوليد، و عمرو بن العاص، و عكرمة بن أبي جهل، و ضرار بن الخطاب، فحمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فقتله و قتل من كان معه من الأنصار رضي اللّه تعالى عنهم.
و كان من جملة من انهزم عثمان بن عفان و الوليد بن عقبة و خارجة بن زيد و رفاعة بن معلى، فأقاموا ثلاثة أيام، ثم رجعوا إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم)، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم): ذهبتم فيها عريضة، و أنزل اللّه تعالى إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ [آل عمران: الآية 155] قال: و قال جماعة: ليت لنا رسولا إلى عبد اللّه بن أبيّ ليأخذ لنا أمانا من أبي سفيان، يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم.
و انهزمت طائفة منهم حتى دخلت المدينة، فلقيتهم أم أيمن رضي اللّه عنها فجعلت تحثو التراب في وجوههم و تقول لبعضهم: هاك المغزل فاغزل به، و هلم سيفك ا ه:
أي أعطني سيفك، أي فالمنهزمون في ذلك اليوم طائفتان: طائفة لم تدخل المدينة، و أخرى دخلتها. و فيه أن أم أيمن كانت في الجيش تسقي الجرحى.
أي فقد جاء «أن حباب بن العرقة رمى بسهم فأصاب أم أيمن و كانت تسقي