إلا عدة الحرب التي هي السلاح و فرس سريعة الجري و جنان يقاتل عليه شيوخ الضلال، أي و هذا يدل على أن الصديق رضي اللّه تعالى عنه ترك مالا عند أهله لما هاجر، و هو قد يخالف ما تقدم عن ابنته أسماء من قولها: إن أبا بكر أرسل ابنه عبد اللّه فحمل ماله و كان خمسة آلاف درهم إلى الغار، فدخل علينا جدي أبو قحافة الحديث، و لعل ماله الذي عناه الصديق ما كان من نحو أمتعة و بعض مواشي لا النقد فلا مخالفة.
و يروى عن ابن مسعود أن الصديق رضي اللّه تعالى عنه دعا ابنه يعني عبد الرحمن يوم أحد إلى البراز، فقال له النبي (صلى اللّه عليه و سلم) «متعنا بنفسك، أ ما علمت أنك مني بمنزلة سمعي و بصري» فأنزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال: الآية 24] و لا مانع من التعدد حتى في نزول الآية، لكن يبعد نزولها في أحد أيضا كون أبي بكر يدعو للمبارزة بعد نزولها أولا في بدر.
ثم رأيت ابن ظفر قال في الينبوع: إنه لم يثبت أن أبا بكر دعا ابنه للمبارزة، و إنما هو شيء ذكر في كتب التفسير، فأنزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال: الآية 24] فالآية مدنية لا مكية و به يرد ما ذكر أن سببها أن أبا بكر سمع والده أبا قحافة يذكر النبي (صلى اللّه عليه و سلم) بشر فلطمه لطمة سقط منها، فأخبر أبو بكر النبي (صلى اللّه عليه و سلم)، فقال له لا تعد لمثلها، فقال: و اللّه لو حضرني السيف لقتلته به.
و في كلام الزمخشري أن عبد الرحمن أسلم في هدنة الحديبية و هاجر إلى المدينة و مات سنة ثلاث و خمسين بمحل بينه و بين مكة ستة أميال، و حمل على أعناق الرجال إلى مكة، و قدمت أخته عائشة رضي اللّه تعالى عنها من المدينة فأتت قبره فصلت عليه.
أي و في هذا اليوم الذي هو يوم بدر قتل أبو عبيدة بن الجراح أباه و كان مشركا، فإن أباه قصده ليقتله فولى عنه أبو عبيدة لينكفّ عنه فلم ينكف عنه، فرجع عليه و قتله و أنزل اللّه تعالى لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة: الآية 22] الآية.
و عن عبد الرحمن بن عوف رضي اللّه تعالى عنه قال: لقد لقيت أمية بن خلف و كان صديقا لي في الجاهلية و معه: أي مع أمية ابنه عليّ أي آخذ بيده و كان عليّ ممن أسلم و النبي (صلى اللّه عليه و سلم) بمكة قبل أن يهاجر، ففتنهم أقاربهم عن الإسلام و رجعوا عنه و ماتوا على كفرهم، و أنزل اللّه تعالى فيهم إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ [النّساء: الآية 97] الآية، أي و هم الحارث بن ربيعة، و أبو قيس بن الفاكه، و أبو قيس بن الوليد، و العاص بن منبه، و علي بن أمية المذكور.