و الآيات نفسها تشتمل على مواد الدعوة و التبليغ، فالإنذار نفسه يقتضي أن هناك أعمالا لها عاقبة سوء يلقاها أصحابها، و نظرا لما يعرفه كل أحد أن الدنيا لا يجازى فيها بكل ما يعمل الناس، بل ربما لا يمكن المجازاة بجميع الأعمال. فالإنذار يقتضي يوما للمجازاة غير أيام الدنيا، و هو الذي يسمى بيوم القيامة و يوم الجزاء و الدين، و هذا يستلزم حياة أخرى غير الحياة التي نعيشها في الدنيا.
و سائر الآيات تطلب من العباد التوحيد الصريح، و تفويض الأمور كلها إلى اللّه تعالى، و ترك مرضاة النفس، و مرضاة لعباد إلى مرضاة اللّه تعالى.
فإذن تتلخص هذه المواد في:
أ- التوحيد.
ب- الإيمان بيوم الآخرة.
ج- القيام بتزكية النفس بأن تتناهى عن المنكرات و الفواحش التي تفضي إلى سوء العاقبة، و بأن تقوم باكتساب الفضائل و الكمالات و أعمال الخير.
د- تفويض الأمور كلها إلى اللّه تعالى.
ه- و كل ذلك بعد الإيمان برسالة محمد (صلّى اللّه عليه و سلم) و تحت قيادته النبيلة و توجيهاته الرشيدة.
ثم إن مطلع الآيات تضمنت النداء العلوي- في صوت الكبير المتعال- بانتداب النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) لهذا الأمر الجلل، و انتزعه من النوم و التدثر و الدفء إلى الجهاد و الكفاح و المشقة: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، كأنه قيل: إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا، أما أنت الذي تحمل هذا العبء الكبير فما لك و النوم؟ و ما لك و الراحة؟ و ما لك و الفراش الدافئ؟ و العيش الهادئ؟ و المتاع المريح! قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، و العبء الثقيل المهيأ لك. قم للجهد و النصب، و الكد و التعب. قم فقد مضى وقت النوم و الراحة، و ما عاد منذ اليوم إلا السهر المتواصل، و الجهاد الطويل الشاق. قم فتهيأ لهذا الأمر و استعد.
إنها لكلمة عظيمة رهيبة، تنزعه (صلّى اللّه عليه و سلم) من دفء الفراش في البيت الهادئ و الحضن الدافئ، لتدفع به في الخضم، بين الزعازع و الأنواء، و بين الشد و الجذب في ضمائر الناس و في واقع الحياة سواء.