فالتقوا و اقتتلوا قتالا شديدا، صار جمع من الفريقين فريسة له، ثم تداعوا إلى الصلح فحكموا يعمر بن عوف أحد بني بكر، فقضى بأن قصيا أولى بالكعبة و بأمر مكة من خزاعة، و كل دم أصابه قصي منهم موضوع بشدخة تحت قدميه، و ما أصابت خزاعة و بنو بكر ففيه الدية، و أن يخلي بين قصي و بين الكعبة- فسمي يعمر يومئذ الشداخ [1]- و كان استيلاء قصي على مكة و البيت في أواسط القرن الخامس للميلاد سنة 440 م [2] و بذلك صارت لقصي، ثم لقريش السيادة التامة، و الأمر النافذ في مكة، و صار الرئيس الديني لذلك البيت الذي كانت تفد إليه العرب من جميع أنحاء الجزيرة.
و مما فعله قصي بمكة أنه جمع قومه من منازلهم إلى مكة، و قطعها رباعا بين قومه، و أنزل كل قوم من قريش منازلهم التي أصبحوا عليها، و أقر النسأة و آل صفوان، و عدوان و مرة بن عوف على ما كانوا عليه من المناصب؛ لأنه كان يراه دينا في نفسه لا ينبغي تغييره [3].
و من مآثر قصي أنه أسس دار الندوة بالجانب الشمالي من مسجد الكعبة، و جعل بابها إلى المسجد، و كانت مجمع قريش، و فيها تفصل مهام أمورها، و لهذه الدار فضل على قريش؛ لأنها ضمنت اجتماع الكلمة و فض المشاكل بالحسنى [4].
[رئاسة قصي]
و كان لقصي من مظاهر الرئاسة و التشريف:
1- رئاسة دار الندوة
، ففيها كانوا يتشاورون فيما نزل بهم من جسام الأمور، و يزوجون فيها بناتهم.
2- اللواء
، فكانت لا تعقد راية الحرب إلا بيده.
3- الحجابة
و هي حجابة الكعبة، لا يفتح بابها إلا هو، و هو الذي يلي أمر خدمتها و سدانتها.
4- سقاية الحاج
، و هي أنهم كانوا يملئون للحجاج حياضا من الماء، يحلونها بشيء من التمر و الزبيب، فيشرب الناس منها إذا وردوا مكة [5].