responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير روح المعاني - ط دار العلمية نویسنده : الألوسي، شهاب الدين    جلد : 8  صفحه : 287
تعالى أعلم. والآية في أناس علم الله تعالى موافاتهم على الكفر من مشركي مكة حين نزولها فلا ينافي الأخبار بالطبع وأنهم لا يؤمنون تحقيقا ولا تقليدا إيمان بعض المشركين بعد النزول، واحتمال أن المراد جميع المشركين على معنى وإن تدعهم إلى الهدى جميعا فلن يهتدوا جميعا وإنما يهتدي بعضهم كما ترى. واستدلت الجبرية بهذه الآية على مذهبهم والقدرية بالآية التي قبلها، قال الإمام: وقل ما تجد في القرآن آية لأحد هذين الفريقين إلا ومعها آية للفريق الآخر وما ذلك إلا امتحان شديد من الله تعالى ألقاه الله تعالى على عباده ليتميز العلماء الراسخون من المقلدين.
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ مبتدأ وخبر وقوله تعالى ذُو الرَّحْمَةِ أي صاحبها والموصوف بها خبر بعد خبر، قال الإمام: وإنما ذكر لفظ المبالغة في المغفرة دون الرحمة لأن المغفرة ترك الإضرار والرحمة إيصال النفع وقدرة الله تعالى تتعلق بالأول لأنه ترك مضار لا نهاية لها ولا تتعلق بالثاني لأن فعل ما لا نهاية له محال.
وتعقبه النيسابوري بأنه فرق دقيق لو ساعده النقل على أن قوله تعالى: ذُو الرَّحْمَةِ لا يخلو عن مبالغة وفي القرآن غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: 173 وغيرها] بالمبالغة في الجانبين كثيرا وفي تعلق القدرة بترك غير المتناهي نظر لأن مقدراته تعالى متناهية لا فرق بين المتروك وغيره اه، وقيل عليه إنهم فسروا الغفار بمريد إزالة العقوبة عن مستحقها والرحيم بمريد الأنعام على الخلق وقصد المبالغة من جهة في مقام لا ينافي تركها في آخر لعدم اقتضائه لها، وقد صرحوا بأن مقدوراته تعالى غير متناهية وما دخل منها في الوجود متناه ببرهان التطبيق اه، وهو كلام حسن اندفع به ما أورد على الإمام. وزعمت الفلاسفة أن ما دخل في الوجود من المقدورات غير متناه أيضا ولا يجري فيه برهان التطبيق عندهم لاشتراطهم الاجتماع والترتب، ولعمري لقد قف شعري من ظاهر قول النيسابوري إن مقدوراته تعالى متناهية فإن ظاهره التعجيز تعالى الله سبحانه عما يقوله الظالمون علوا كبيرا ولكن يدفع بالعناية فتدبر، ثم إن تحرير نكتة التفرقة بين الخبرين هاهنا على ما قاله الخفاجي إن المذكور بعد عدم مؤاخذتهم بما كسبوا من الجرم العظيم وهو مغفرة عظيمة وترك التعجيل رحمة منه تعالى سابقة على غضبه لكنه لم يرد سبحانه إتمام رحمته عليهم وبلوغها الغاية إذ لو أراد جل شأنه ذلك لهداهم وسلمهم من العذاب رأسا، وهذه النكتة لا تتوقف على حديث التناهي وعدم التناهي الذي ذكره الإمام وإن كان صحيحا في نفسه كما قيل، والاعتراض عليه بأنه يقتضي عدم تناهي المتعلقات في كل ما نسب إليه تعالى بصيغ المبالغة وليس بلازم إذ يمكن أن تعتبر المبالغة في المتناهي بزيادة الكمية وقوة الكيفية ولو سلم ما ذكر لزم عدم صحة صيغ المبالغة في الأمور الثبوتية كرحيم ورحمن ولا وجه له مدفوع بأن ما ذكره نكتة لوقوع التفرقة بين الأمرين هنا بأنه اعتبرت المبالغة في جانب الترك دون مقابله لأن الترك عدمي يجوز فيه عدم التناهي بخلاف الآخر ألا ترى أن ترك عذابهم دال على ترك جميع أنواع العقوبات في العاجل وإن كانت غير متناهية كذا قيل وفيه نظر.
وربما يقال في توجيه ما قاله النيسابوري من أن ذو الرحمة لا يخلو عن المبالغة: إن ذلك إما لاقتران الرحمة بأل فتقيد الرحمة الكاملة أو الرحمة المعهودة التي وسعت كل شيء. وإما لذو فإن دلالته على الاتصاف في مثل هذا التركيب فوق دلالة المشتقات عليه ولا يكاد يدل سبحانه على اتصافه تعالى بصفة بهذه الدلالة إلا وتلك الصفة مرادة على الوجه الأبلغ وإلا فما الفائدة في العدول عن المشتق الأخصر الدال على أصل الاتصاف كالراحم مثلا إلى ذلك، ولا يعكر على هذا أن المبالغة لو كانت مرادة فلم عدل عن الأخصر أيضا المفيد لها كالرحيم أو الرحمن إلى ما ذكر لجواز أن يقال: إنه أريد أن لا تقيد الرحمة المبالغ فيها بكونها في الدنيا أو في الآخرة وهذان الاسمان يفيدان التقييد على المشهور ولذا عدل عنهما إلى ذو الرحمة، وإذا قلت: هما مثله في عدم التقييد قيل: إن دلالته على المبالغة أقوى
نام کتاب : تفسير روح المعاني - ط دار العلمية نویسنده : الألوسي، شهاب الدين    جلد : 8  صفحه : 287
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست