responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير روح المعاني - ط دار العلمية نویسنده : الألوسي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 231
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ الفاء لإفادة مسارعتهم في الامتثال وعدم تثبطهم فيه، وإِبْلِيسَ اسم أعجمي ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، ووزنه- فعليل- قاله الزجاج. وقال أبو عبيدة وغيره: إنه عربي مشتق من الإبلاس وهو الإبعاد من الخير أو اليأس من رحمة الله تعالى، ووزنه على هذا مفعيل، ومنعه من الصرف حينئذ لكونه لا نظير له في الأسماء. واعترض بأن ذلك لم يعد من موانع الصرف مع أن له نظائر- كإحليل وإكليل- وفيه نظر، وقيل: لأنه شبيه بالأسماء الأعجمية إذ لم يسم به أحد من العرب، وليس بشيء، واختلف الناس فيه، هل هو من الملائكة أم من الجن؟ فذهب إلى الثاني جماعة مستدلين بقوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ [الكهف: 5] وبأن الملائكة لا يستكبرون وهو قد استكبر، وبأن الملائكة- كما روى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها- خلقوا من النور، وخلق الجن مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ [الرحمن: 15] وهو قد خلق مما خلق الجن كما يدل عليه قوله تعالى حكاية عنه: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف: 12] وعد تركه السجود- إباء واستكبارا حينئذ- إما لأنه كان ناشئا بين الملائكة مغمورا بالألوف منهم فغلبوا عليه وتناوله الأمر ولم يمتثل، أو لأن الجن أيضا كانوا مأمورين مع الملائكة، لكنه استغنى بذكرهم لمزيد شرفهم عن ذكر الجن، أو لأنه- عليه اللعنة- كان مأمورا صريحا لا ضمنا كما يشير إليه ظاهر قوله تعالى: إِذْ أَمَرْتُكَ [الأعراف: 12] وضمير فَسَجَدُوا راجع للمأمورين بالسجود وذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين إلى الأول مستدلين بظاهر الاستثناء- وتصحيحه بما ذكر تكلف- لأنه وإن كان واحدا منهم لكن كان رئيسهم ورأسهم- كما نطقت به الآثار- فلم يكن مغمورا بينهم، ولأن صرف الضمير إلى مطلق المأمورين مع أنه في غاية البعد لم يثبت، إذ لم ينقل أن الجن سجدوا لآدم سوى إبليس، وكونه مأمورا صريحا الآية غير صريحة فيه- ودون إثباته خرط القتاد- واقتضاء ما ذكر من الآية كونه من جنس الجن ممنوع لجواز أن يراد كونه منهم فعلا، وقوله تعالى: فَفَسَقَ كالبيان له، ويجوز أيضا أن يكون كانَ بمعنى صار- كما روي أنه مسخ بسبب هذه المعصية- فصار جنيا- كما مسخ اليهود فصاروا قردة وخنازير- سلمنا، لكن لا منافاة بين كونه جنا وكونه ملكا، فإن الجن- كما يطلق على ما يقابل الملك- يقال على نوع منه على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما- وكانوا خزنة الجنة أو صاغة حليهم. وقيل: صنف من الملائكة لا تراهم الملائكة مثلنا، أو أنه يقال للملائكة جن أيضا- كما قاله ابن إسحاق- لاجتنانهم واستتارهم عن أعين الناس، وبذلك فسر بعضهم قوله تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات: 158] وورد مثله في كلام العرب، فقد قال الأعشى في سيدنا سليمان عليه السلام:
وسخر من جن الملائك تسعة ... قياما لديه يعملون بلا أجر
وكون الملائكة لا يستكبرون- وهو قد استكبر- لا يضر، إما لأن من الملائكة من ليس بمعصوم- وإن كان الغالب فيهم العصمة على العكس منا- وفي عقيدة أبي المعين النسفي ما يؤيد ذلك، وإما لأن إبليس سلبه الله تعالى الصفات الملكية وألبسه ثياب الصفات الشيطانية- فعصى عند ذلك- والملك ما دام ملكا لا يعصى.
ومن ذا الذي يا ميّ لا يتغير

وكونه مخلوقا من نار وهم مخلوقون من نور غير ضار أيضا- ولا قادح في ملكيته- لأن النار والنور متحدا المادة بالجنس واختلافهما بالعوارض، على أن ما في أثر عائشة رضي الله تعالى عنها من خلق الملائكة من النور جار مجرى الغالب- وإلا خالفه كثير من ظواهر الآثار- إذ فيها أن الله تعالى خلق ملائكة من نار وملائكة من ثلج وملائكة من هذا وهذه،
وورد أن تحت العرش نهرا إذا غتسل فيه جبريل عليه السلام وانتفض يخلق من كل قطرة منه ملك،
وأفهم كلام البعض أنه يحتمل أن ضربا من الملائكة لا يخالف الشياطين بالذات- وإنما يخالفهم بالعوارض والصفات- كالبررة والفسقة من الإنس- والجن يشملهما- وكان إبليس من هذا الصنف، فعده ما
نام کتاب : تفسير روح المعاني - ط دار العلمية نویسنده : الألوسي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 231
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست