responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3927
وبعد هذا الإيحاء الكوني يجيء التوكيد المباشر: «ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» .. ما تركك ربك ولا جفاك- كما زعم من يريدون إيذاء روحك وإيجاع قلبك وإقلاق خاطرك.. وهو «رَبُّكَ» وأنت عبده المنسوب إليه، المضاف إلى ربوبيته، وهو راعيك وكافلك..
وما غاض معين فضله وفيض عطائه. فإن لك عنده في الآخرة من الحسنى خيرا مما يعطيك منها في الدنيا:
«وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى» .. فهو الخير أولا وأخيرا..
وإنه ليدخر لك ما يرضيك من التوفيق في دعوتك، وإزاحة العقبات من طريقك، وغلبة منهجك، وظهور حقك.. وهي الأمور التي كانت تشغل باله- صلى الله عليه وسلم- وهو يواجه العناد والتكذيب والأذى والكيد.. والشماتة.. «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» ..
ويمضي سياق السورة يذكر الرسول- صلى الله عليه وسلم- ما كان من شأن ربه معه منذ أول الطريق.
ليستحضر في خاطره جميل صنع ربه به، ومودته له، وفيضه عليه، ويستمتع باستعادة مواقع الرحمة والود والإيناس الإلهي. وهو متاع فائق تحييه الذكرى على هذا النحو البديع:
«أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى؟ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى؟ وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى؟» ..
انظر في واقع حالك، وماضي حياتك.. هل ودعك ربك وهل قلاك- حتى قبل أن يعهد إليك بهذا الأمر؟ - ألم تحط يتمك رعايته؟ ألم تدرك حيرتك هدايته؟ ألم يغمر فقرك عطاؤه؟
لقد ولدت يتيما فآواك إليه، وعطف عليك القلوب حتى قلب عمك أبي طالب وهو على غير دينك! ولقد كنت فقيرا فأغنى الله نفسك بالقناعة، كما أغناك بكسبك ومال أهل بيتك (خديجة رضي الله عنها) عن أن تحس الفقر، أو تتطلع إلى ما حولك من ثراء! ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد، منحرفة السلوك والأوضاع، فلم تطمئن روحك إليها. ولكنك لم تكن تجد لك طريقا واضحا مطمئنا. لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرفوا وبدلوا وانحرفوا وتاهوا.. ثم هداك الله بالأمر الذي أوحى به إليك، وبالمنهج الذي يصلك به.
والهداية من حيرة العقيدة وضلال الشعاب فيها هي المنة الكبرى، التي لا تعدلها منة وهي الراحة والطمأنينة من القلق الذي لا يعدله قلق ومن التعب الذي لا يعدله تعب، ولعلها كانت بسبب مما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعانيه في هذه الفترة، من انقطاع الوحي وشماتة المشركين ووحشة الحبيب من الحبيب.
فجاءت هذه تذكره وتطمئنه على أن ربه لن يتركه بلا وحي في التيه وهو لم يتركه من قبل في الحيرة والتيه! وبمناسبة ما ذكره ربه بإيوائه من اليتم، وهدايته من الحيرة وإغنائه من العيلة.. يوجهه ويوجه المسلمين من ورائه إلى رعاية كل يتيم، وإلى كفاية كل سائل، وإلى التحدث بنعمة الله الكبرى عليه، وفي أولها: الهداية إلى هذا الدين:
«فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» ..
وهذه التوجيهات إلى إكرام اليتيم والنهي عن قهره وكسر خاطره وإذلاله، وإلى إغناء السائل مع الرفق به والكرامة، كانت- كما ذكرنا مرارا- من أهم إيحاءات الواقع في البيئة الجاحدة المتكالبة، التي لا ترعى
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3927
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست