responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3926
«ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» ..
وما تركك ربك من قبل أبدا، وما قلاك من قبل قط، وما أخلاك من رحمته ورعايته وإيوائه..
«أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى؟ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى؟ وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى؟» ..
ألا تجد مصداق هذا في حياتك؟ ألا تحس مسّ هذا في قلبك؟ ألا ترى أثر هذا في واقعك؟
لا. لا.. «ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» .. وما انقطع عنك بره وما ينقطع أبدا.. «وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى» .. وهناك ما هو أكثر وأوفى: «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» ! ومع هذه الأنسام اللطيفة من حقيقة الأمر وروحه.. الأنسام اللطيفة في العبارة والإيقاع.. وفي الإطار الكوني الذي وضعت فيه هذه الحقيقة:
«وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى» ..
«لقد أطلق التعبير جوا من الحنان اللطيف، والرحمة الوديعة، والرضى الشامل، والشجى الشفيف:
«ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» .. «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى؟ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى؟ وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى؟» .. ذلك الحنان. وتلك الرحمة. وذاك الرضى.
وهذا الشجى: تنسرب كلها من خلال النظم اللطيف العبارة، الرقيق اللفظ، ومن هذه الموسيقى السارية في التعبير. الموسيقى الرتيبة الحركات، الوئيدة الخطوات، الرقيقة الأصداء، الشجية الإيقاع.. فلما أراد إطارا لهذا الحنان اللطيف، ولهذه الرحمة الوديعة، ولهذا الرضى الشامل، ولهذا الشجى الشفيف، جعل الإطار من الضحى الرائق، ومن الليل الساجي. أصفى آنين من آونة الليل والنهار. وأشف آنين تسري فيهما التأملات.
وتتصل الروح بالوجود وخالق الوجود. وتحس بعبادة الكون كله لمبدعه، وتوجهه لبارئه بالتسبيح والفرح والصفاء. وصوّرهما في اللفظ المناسب. فالليل هو «اللَّيْلِ إِذا سَجى» ، لا الليل على إطلاقه بوحشته وظلامه.
الليل الساجي الذي يرق ويسكن ويصفو، وتغشاه سحابة رقيقة من الشجى الشفيف، والتأمل الوديع. كجو اليتم والعيلة. ثم ينكشف ويجلي مع الضحى الرائق الصافي.. فتلتئم ألوان الصورة مع ألوان الإطار. ويتم التناسق والاتساق» [1] .
إن هذا الإبداع في كمال الجمال ليدل على الصنعة. صنعة الله التي لا تماثلها صنعة، ولا يتلبس بها تقليد! «وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ. وَما قَلى. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» ..
يقسم الله سبحانه- بهذين الآنين الرائقين الموحيين. فيربط بين ظواهر الكون ومشاعر النفس. ويوحي إلى القلب البشري بالحياة الشاعرة المتجاوبة مع هذا الوجود الجميل الحي، المتعاطف مع كل حي. فيعيش ذلك القلب في أنس من هذا الوجود، غير موحش ولا غريب فيه فريد.. وفي هذه السورة بالذات يكون لهذا الأنس وقعه. فظل الأنس هو المراد مده. وكأنما يوحي الله لرسوله- صلى الله عليه وسلم- منذ مطلع السورة، أن ربه أفاض من حوله الأنس في هذا الوجود، وأنه من ثم غير مجفوّ فيه ولا فريد!

[1] من كتاب التصوير الفني في القرآن ص 105 من الطبعة الرابعة.
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3926
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست