responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1785
وفي النظام الإنساني الذي يتضمن قواعده وبهذا الكمال في تصوير حقيقة الألوهية، وفي تصوير طبيعة البشر، وطبيعة الحياة، وطبيعة الكون.. لا يمكن أن يكون مفترى من دون الله، لأن قدرة واحدة هي التي تملك الإتيان به هي قدرة الله. القدرة التي تحيط بالأوائل والأواخر، وبالظواهر والسرائر، وتضع المنهج المبرأ من القصور والنقص ومن آثار الجهل والعجز..
«وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ» ..
ما كان من شأنه أصلاً أن يفترى. فليس الافتراء هو المنفي، ولكن جواز وجوده هو المنفي. وهو أبلغ في النفي وأبعد.
«وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» ..
من الكتب التي سبق بها الرسل. تصديقها في أصل العقيدة، وفي الدعوة إلى الخير.
«وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ» .. الواحد الذي جاء به الرسل جميعاً من عند الله، تتفق أصوله وتختلف تفصيلاته..
وهذا القرآن يفصل كتاب الله ويبين وسائل الخير الذي جاء به، ووسائل تحقيقه وصيانته: فالعقيدة في الله واحدة، والدعوة إلى الخير واحدة. ولكن صورة هذا الخير فيها تفصيل، والتشريع الذي يحققه فيه تفصيل، يناسب نمو البشرية وقتها، وتطورات البشرية بعدها، بعد أن بلغت سن الرشد فخوطبت بالقرآن خطاب الراشدين، ولم تخاطب بالخوارق المادية التي لا سبيل فيها للعقل والتفكير.
«لا رَيْبَ فِيهِ، مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ» ..
تقرير وتوكيد لنفي جواز افترائه عن طريق إثبات مصدره: «مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ» ..
«أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ؟» .
بعد هذا النفي والتقرير، فهو إذن من صنع محمد. ومحمد بشر ينطق باللغة التي ينطقون بها، ولا يملك من حروفها إلا ما يملكون. (ألف. لام. ميم) .. (ألف. لام. را.) .. (ألف. لام. ميم. صاد) ...
الخ. فدونهم إذن- ومعهم من يستطيعون جمعهم- فليفتروا، كما افترى (بزعمهم) محمد. فليفتروا سورة واحدة لا قرآناً كاملاً:
«قُلْ: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» .
وقد ثبت هذا التحدي وثبت العجز عنه. وما يزال ثابتاً ولن يزال. والذين يدركون بلاغة هذه اللغة، ويتذوقون الجمال الفني والتناسق فيها، يدركون أن هذا النسق من القول لا يستطيعه إنسان. وكذلك الذين يدرسون النظم الاجتماعية، والأصول التشريعية، ويدرسون النظام الذي جاء به هذا القرآن، يدركون أن النظرة فيه إلى تنظيم الجماعة الإنسانية ومقتضيات حياتها من جميع جوانبها، والفرص المدخرة فيه لمواجهة الأطوار والتقلبات في يسر ومرونة.. كل أولئك أكبر من أن يحيط به عقل بشري واحد، أو مجموعة العقول في جيل واحد او في جميع الأجيال. ومثلهم الذين يدرسون النفس الإنسانية ووسائل الأصول إلى التأثير فيها وتوجيهها ثم يدرسون وسائل القرآن وأساليبه..
فليس هو إعجاز اللفظ والتعبير وأسلوب الأداء وحده، ولكنه الاعجاز المطلق الذي يلمسه الخبراء في هذا وفي النظم والتشريعات والنفسيات وما إليها..
والذين زاولوا فن التعبير، والذين لهم بصر بالأداء الفني، يدركون أكثر من غيرهم مدى ما في الأداء
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1785
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست