responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1446
لهذه النحلة والانتصار لعقيدتها فلك أن تخترق الأرض، وتجوب بلاد الله الشاسعة، داعيا إلى عقيدتها، مدافعا عن كيانها بالحجج والبراهين، مجادلا من يخالفونك فيها بمرهفات الألسنة وأسنة الأقلام. أما السيف وآلات الحرب والقتال، فما لك وما لها في هذا الشأن؟ أتريد أن تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين بعقيدتك؟! وإن كان الإسلام نحلة () كنحل العالم، على حسب الاصطلاح الشائع عندهم كما يزعمون، فالظاهر أنه لا شأن فيها للسيف وأدوات الحرب، كما قالوا. ولو كان موقف الإسلام في نفس الأمر كما زعموا ووصفوا لما كان فيه مساغ للجهاد، ولم يكن من الإسلام في ورد ولا صدر لكن الأمر على خلاف ذلك، كما سوف تعرفه فيما يأتي من البيان. وكذلك كلمة «الأمة» () فما هي إلا عبارة عن طائفة من الناس متوافقة فيما بينها (..) اجتمعت وتألفت وامتازت من بين طوائف أخرى لاشتراكها في بعض الأمور الجوهرية. فالطائفة التي تكون «أمة» ، بهذا المعنى، لا يبعثها على استخدام السيف إلا أمران: إما أن يعتدي عليها أحد، ويريد أن يسلبها حقوقها المعروفة وإما أن تحمل هي بنفسها على طائفة أخرى لتنتزع من يدها حقوقها المعروفة. ففي الصورة الأولى منهما، لها سعة في الأمر، وهي لا تخلو من وازع خلقي يلجئها إلى استخدام السيف والبطش بمن اعتدى عليها. وإن كان بعض المتشدقين بالأمن والسلام لا يبيح ذلك أيضا! - أما الصورة الثانية- أي الاعتداء على حقوق غيرها والإغارة على الشعوب والأمم من غير ما سبب- فلا يبيحها غير الجبابرة المسيطرين () حتى إن ساسة الدول الكبرى كبريطانيا وأمريكا أيضا لا يقدرون أن يجترئوا على القول بجوازها! «فإن كان الإسلام «نحلة» كالنحل الأخرى، والمسلمون «أمة» كغيرهم من أمم العالم، فلا جرم أن «الجهاد» الإسلامي يفقد بذلك جميع المزايا والخصائص التي جعلته رأس العبادات ودرة تاجها.. لكن الحقيقة أن الإسلام ليس بنحلة كالنحل الرائجة، وأن المسلمين ليسو بأمة كأمم العالم.. بل الأمر أن الإسلام فكرة انقلابية () ومنهاج انقلابي يريد أن يهدم نظام العالم الاجتماعي بأسره ويأتي بنيانه من القواعد، ويؤسس بنيانه من جديد حسب فكرته ومنهاجه العملي.. ومن هناك تعرف أن لفظ «المسلم» وصف للحزب الانقلابي العالمي (..) الذي يكونه الإسلام، وينظم صفوفه، ليكون أداة في إحداث ذلك البرنامج الانقلابي الذي يرمي إليه الإسلام، ويطمح إليه ببصره. والجهاد عبارة عن الكفاح الانقلابي (.) عن تلك الحركة الدائبة المستمرة التي يقام بها للوصول إلى هذه الغاية، وإدراك هذا المبتغى.
«والإسلام يتجنب الكلمات الشائعة في دعوته وبيان منهجه العملي- شأن غيره من الدعوات الفكرية والمناهج الانقلابية- بل يؤثر لذلك لغة من المصطلحات () خاصة، لئلا يقع الالتباس بين دعوته وما إليها من الأفكار والتصورات، وبين الأفكار والتصورات الشائعة الرائجة. «فالجهاد» أيضا من الكلمات التي اصطلح عليها الإسلام لأداء مهمته وتبيين تفاصيل دعوته. فأنت ترى أن الإسلام قد تجنب لفظة (الحرب) وغيرها من الكلمات التي تؤدي معنى القتال () في اللغة العربية، واستبدل بها كلمة () في اللغة الانجليزية. غير أن لفظة (الجهاد) أبلغ منها تأثيرا، وأكثر منها إحاطة بالمعنى المقصود. فما الذي أفضى بالإسلام إلى أن يختار هذه الكلمة الجديدة، صارفا بوجهه عن الكلمات القديمة الرائجة؟ الذي أراه وأجزم به أنه ليس لذلك إلا سبب واحد: وهو أن لفظة «الحرب» () كانت ولا تزال تطلق على القتال الذي يشب لهيبه وتستعر ناره بين الرجال والأحزاب والشعوب لمآرب شخصية وأغراض ذاتية.
والغايات التي ترمي إليها أمثال هذه الحروب لا تعدو أن تكون مجرد أغراض شخصية أو اجتماعية، لا تكون
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1446
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست