responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1445
رسموا صورتنا بلباقة منكرة، وأبدأوا وأعادوا في عرضها بشكل هائل بشع، وقد سحب ذيل النسيان على صورتهم الدميمة، حتى لا يكاد يذكرها أحد بجنب الصورة المنكرة التي صوروا بها تاريخنا ومآثر أسلافنا.
فما أعظم دهاءهم! وما أبرعهم في التزوير والتمويه! «أما سذاجتنا وبله رجالنا، فحدث عن البحر ولا حرج! وأي بله أعظم من اغترارنا بالصورة المنكرة التي صوروا بها مآثرنا حتى كدنا نؤمن بصحتها ومطابقتها للحقيقة؟ وما دار بخلدنا أن ننظر إلى الأيدي الأثيمة التي عملت عملها في رسم هذه الصورة المزورة، وأن نبحث عن الأقلام الخفية التي تفننت في تمويهها وزخرفتها.
وقد بلغ من اغترارنا بتزويرهم، وانخداعنا بتلك الصورة المموهة أن اعترانا الخجل والندامة، وعدنا نعتذر إلى القوم، نبدل كلام الله، ونحرف الكلم عن مواضعه، ونقول لهم: «ما لنا وللقتال، أيها السادة، إنما نحن دعاة مبشرون، ندعو إلى دين الله، دين الأمن والسلام والدعة بالحكمة والموعظة الحسنة، نبلغ كلام الله تبليغ الرهبان والدراويش والصوفية، ونجادل من يعارضنا بالتي هي أحسن، بالخطب والرسائل والمقالات حتى يؤمن من يؤمن بدعوتنا عن بينة! هذه هي دعوتنا لا تزيد ولا تنقص! أما السيف والقتال به فمعاذ الله أن نمت إليه بصلة. اللهم إلا أن يقال: إننا ربما دافعنا عن أنفسنا حينما اعتدى علينا أحد! ذلك أيضا قد مضت عليه سنون وأعوام طويلة. أما اليوم فقد أظهرنا براءتنا من ذلك أيضا! ومن أجل ذلك نسخنا الجهاد «رسميا» ! ذلك الجهاد الممقوت الذي يعمل فيه السيف عمله! حتى لا يقلق بالكم ولا يقض عليكم المضجع! فما الجهاد اليوم إلا مواصلة الجهود باللسان والقلم وليس لنا إلا أن نلعب بمرهفات الألسنة وأسنة الأقلام! أما المدافع والدبابات والرشاشات وغيرها من آلات الحرب واستخدامها، فأنتم أحق بها وأهلها!» .
«هذه مكايدهم السياسية التي كشفنا لك القناع عن بعضها فيما تقدم. لكنا إذا أنعمنا النظر في المسألة من الوجهة العلمية، ودققنا النظر في الأسباب التي أشكل لأجلها استجلاء حقيقة «الجهاد في سبيل الله» ، واستكناه سرها على المسلمين أنفسهم فضلا عن غير المسلمين، لاح لنا أن مرجع هذا الخطأ إلى أمرين مهمين لم يسبروا غورهما، ولم يدركوا مغزاهما على وجه الحقيقة:
«فالأول: أنهم ظنوا الإسلام نحلة () بالمعنى الذي تطلق عليه كلمة «النحلة» () عامة..
«والثاني: أنهم حسبوا المسلمين أمة [1] () بالمعنى الذي تستعمل فيه هذه الكلمة في عامة الأحوال.
«فالحقيقة أن خطأ القوم في فهم هذين الأمرين المهمين، وعدم استجلائهم لوجه الحق في هاتين المسألتين الأساسيتين هو الذي شوه وجه الحقيقة الناصعة في هذا الشأن، وعاقهم عن إدراك مغزى الجهاد الإسلامي.
بل الحق- والحق أحق أن يتبع- أن هذا الخطأ الأساسي في فهم هاتين المسألتين قد أرخى سدوله على حقيقة الدين الإسلامي بأسره، وقلب الأمر ظهرا لبطن، وجعل موقف المسلمين من العالم ومسائله المتجددة ومشاكله المتشعبة حرجا ضيقا، لا يرضاه الإسلام وتعاليمه الخالدة:
«فالنحلة [2] () على حسب الاصطلاح الشائع عندهم، لا يراد بها إلا مجموعة من العقائد والعبادات والشعائر. ولا جرم أن «النحلة» بهذا المعنى لا تعدو أن تكون مسألة شخصية. فأنت حر فيما تختاره من العقيدة ولك الخيار في أن تعبد بأي طريق شئت من رضيت به ربا لنفسك. وإن أبت نفسك إلا التحمس

[1] يعني أمة قومية وهي التي تطلق عليها لفظة وإلا فالمسلمون «أمة» بالمصطلح الإسلامي وهي الجماعة من الناس المتجمعة على عقيدة الإسلام، المنتظمة في تجمع قائم على هذا الأساس، الخاضعة لقيادة تنفذ شريعة الله.
[2] وردت في الأصل كلمة: «مذهب» التي ترادفها لفظة: () في الإنجليزية.. المترجم.
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1445
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست