responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 841
ويبقى الاستقسام بالأزلام. والأزلام: قداح كانوا يستشيرونها في الإقدام على العمل أو تركه. وهي ثلاثة في قول، وسبعة في قول. وكانت كذلك تستخدم في الميسر المعروف عند العرب فتقسم بواسطتها الجزور- أي الناقة التي يتقامرون عليها- إذ يكون لكل من المتقامرين قدح، ثم تدار، فإذا خرج قدح أحدهم كان له من الجزور بقدر ما خصص لهذا القدح.. فحرم الله الاستقسام بالأزلام- لأنه نوع من الميسر المحرم- وحرم اللحوم التي تقسم عن هذا الطريق..
... «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .
فالمضطر من الجوع- وهو المخمصة- الذي يخشى على حياته التلف، له أن يأكل من هذه المحرمات ما دام أنه لا يتعمد الإثم، ولا يقصد مقارفة الحرام. وتختلف آراء الفقهاء في حد هذا الأكل: هل هو مجرد ما يحفظ الحياة. أو هو ما يحقق الكفاية والشبع. أو هو ما يدخر كذلك لأكلات أخرى إذا خيف انقطاع الطعام..
فلا ندخل نحن في هذه التفصيلات.. وحسبنا أن ندرك ما في هذا الدين من يسر، وهو يعطى للضرورات أحكامها بلا عنت ولا حرج. مع تعليق الأمر كله بالنية المستكنة والتقوى الموكولة إلى الله.. فمن أقدم مضطراً، لا نية له في مقارفة الحرام ولا قصد، فلا إثم عليه إذن ولا عقاب:
«فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ..
وننتهي من بيان المحرم من المطاعم لنقف وقفة خاصة أمام ما تخلل آية التحريم من قوله تعالى:
«الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» ..
وهي آخر ما نزل من القرآن الكريم، ليعلن كمال الرسالة، وتمام النعمة، فيحس عمر- رضي الله عنه- ببصيرته النافذة وبقلبه الواصل- أن أيام الرسول- صلى الله عليه وسلم- على الأرض معدودة. فقد أدى الأمانة، وبلغ الرسالة ولم يعد إلا لقاء الله. فيبكي- رضوان الله عليه- وقد أحس قلبه دنو يوم الفراق.
هذه الكلمات الهائلة ترد ضمن آية موضوعها التحريم والتحليل لبعض الذبائح وفي سياق السورة التي تضم تلك الأغراض التي أسلفنا بيانها.. ما دلالة هذا؟ إن بعض دلالته أن شريعة الله كل لا يتجزأ. كل متكامل.
سواء فيه ما يختص بالتصور والاعتقاد وما يختص بالشعائر والعبادات وما يختص بالحلال والحرام وما يختص بالتنظيمات الاجتماعية والدولية. وأن هذا في مجموعه هو «الدين» الذي يقول الله عنه في هذه الآية:
إنه أكمله. وهو «النعمة» التي يقول الله للذين آمنوا: إنه أتمها عليهم. وأنه لا فرق في هذا الدين بين ما يختص بالتصور والاعتقاد وما يختص بالشعائر والعبادات وما يختص بالحلال والحرام وما يختص بالتنظيمات الاجتماعية والدولية.. فكلها في مجموعها تكوّن المنهج الرباني الذي ارتضاه الله للذين آمنوا والخروج عن هذا المنهج في جزئية منه، كالخروج عليه كله، خروج على هذا «الدين» وخروج من هذا الدين بالتبعية..
والأمر في هذا يرجع إلى ما سبق لنا تقريره من أن رفض شيء من هذا المنهج، الذي رضيه الله للمؤمنين، واستبدال غيره به من صنع البشر معناه الصريح هو رفض ألوهية الله- سبحانه- وإعطاء خصائص الألوهية لبعض البشر واعتداء على سلطان الله في الأرض، وادعاء للألوهية بادعاء خصيصتها الكبرى.. الحاكمية..
وهذا معناه الصريح الخروج على هذا الدين والخروج من هذا الدين بالتبعية..
«الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ» ..
يئسوا أن يبطلوه، أو ينقصوه، أو يحرفوه. وقد كتب الله له الكمال وسجل له البقاء.. ولقد يغلبون
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 841
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست