responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 723
نداً لشرع الله. بل يجعلونه هو المسيطر على شرع الله! الأمر ليس كذلك.. الأمر أن هذه الأداة العظيمة- أداة الإدراك البشري- هي بلا شك موضع التكريم من الله- ومن ثم يكل إليها إدراك الحقيقة الأولى: حقيقة أن هذا الدين من عند الله. لأن هناك ظواهر يسهل إدراكها وهي كافية بذاتها للدلالة- دلالة هذا الإدراك البشري ذاته- على أن هذا الدين من عند الله.. ومتى أصبحت هذه القاعدة الكبيرة مسلماً بها، أصبح من منطق هذا الإدراك ذاته أن يسلم- بعد ذلك- تلقائياً بكل ما ورد في هذا الدين- لا يهم عندئذ أن يدرك حكمته الخفية أو لا يدركها. فالحكمة متحققة حتماً ما دام من عند الله. ولا يهم عندئذ أن يرى «المصلحة» متحققة فيه في اللحظة الحاضرة. فالمصلحة متحققة حتماً ما دام من عند الله.. والعقل البشري ليس نداً لشريعة الله- فضلاً على أن يكون الحاكم عليها- لأنه لا يدرك إلا إدراكاً ناقصاً في المدى المحدود ويستحيل أن ينظر من جميع الزوايا وإلى جميع المصالح- لا في اللحظة الواحدة ولا في التاريخ كله- بينما شريعة الله تنظر هذه النظرة فلا ينبغي أن يكون الحكم فيها، أو في حكم ثابت قطعي من أحكامها موكولاً إلى الإدراك البشري.. وأقصى ما يتطلب من الإدراك البشري أن يتحرى إدراك دلالة النص وانطباقه لا أن يتحرى المصلحة أو عدم المصلحة فيه! فالمصلحة متحققة أصلاً بوجود النص من قبل الله تعالى.. إنما يكون هذا فيما لا نص فيه، مما يجدّ من الأقضية وهذا سبق بيان المنهج فيه، وهو رده إلى الله والرسول.. وهذا هو مجال الاجتهاد الحقيقي. إلى جانب الاجتهاد في فهم النص، والوقوف عنده، لا تحكيم العقل البشري في أن مدلوله يحمل المصلحة أو لا يحملها!!! إن مجال العقل البشري الأكبر في معرفة نواميس الكون والإبداع في عالم المادة.. وهو ملك عريض!!! يجب أن نحترم الإدراك البشري بالقدر الذي أراده الله له من التكريم في مجاله الذي يحسنه- ثم لا نتجاوز به هذا المجال. كي لا نمضي في التيه بلا دليل. إلا دليلاً يهجم على ما لا يعرف من مجاهل الطريق.. وهو عندئذ أخطر من المضي بلا دليل [1] !!! ويمضي السياق يصور حال طائفة أخرى. أو يصف فعلة أخرى لطائفة في المجتمع المسلم: «وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ. وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا» ..
والصورة التي يرسمها هذا النص، هي صورة جماعة في المعسكر الإسلامي، لم تألف نفوسهم النظام ولم يدركوا قيمة الإشاعة في خلخلة المعسكر وفي النتائج التي تترتب عليها، وقد تكون قاصمة لأنهم لم يرتفعوا إلى مستوى الأحداث ولم يدركوا جدية الموقف وأن كلمة عابرة وفلتة لسان، قد تجر من العواقب على الشخص ذاته، وعلى جماعته كلها ما لا يخطر له ببال وما لا يتدارك بعد وقوعه بحال! أو- ربما- لأنهم لا يشعرون بالولاء الحقيقي الكامل لهذا المعسكر وهكذا لا يعنيهم ما يقع له من جراء أخذ كل شائعة والجري بها هنا وهناك، وإذاعتها، حين يتلقاها لسان عن لسان. سواء كانت إشاعة أمن أو إشاعة خوف..
فكلتاهما قد يكون لإشاعتها خطورة مدمرة! - فإن إشاعة أمر الأمن مثلاً في معسكر متأهب مستيقظ متوقع لحركة من العدو.. إشاعة أمر الأمن في مثل هذا المعسكر تحدث نوعاً من التراخي- مهما تكن الأوامر باليقظة-

[1] يراجع كتاب «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» فصل «الربانية» وفصل «الثبات» وفصل «التوازن» «دار الشروق»
.
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 723
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست