responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 189
بَنَى بِنَاءً عَظِيمًا بِبَابِلَ، وَرَامَ الصُّعُودَ إِلَى السَّمَاءِ لِيُقَاتِلَ أَهْلَهَا، فَأَهَبَّ اللَّهُ الرِّيحَ، فَخَرَّ ذَلِكَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِهِ فَهَلَكُوا، وَالْأَوْلَى أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْمُبْطِلِينَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ إِلْحَاقَ الضُّرِّ بِالْمُحِقِّينَ وَمَعْنَى الْمَكْرِ هُنَا الْكَيْدُ وَالتَّدْبِيرُ الَّذِي لَا يُطَابِقُ الْحَقَّ، وَفِي هَذَا وَعِيدٌ لِلْكُفَّارِ الْمُعَاصِرِينَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مَكْرَهُمْ سَيَعُودُ عَلَيْهِمْ كَمَا عَادَ مَكْرُ مَنْ قَبْلَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ أَيْ: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ، وَهُوَ الرِّيحُ الَّتِي أَخْرَبَتْ بُنْيَانَهُمْ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَرْسَلَ اللَّهُ رِيحًا فَأَلْقَتْ رَأْسَ الصَّرْحِ فِي الْبَحْرِ، وَخَرَّ عَلَيْهِمُ الْبَاقِي مِنَ الْقَواعِدِ قَالَ الزَّجَّاجُ: مِنَ الْأَسَاطِينِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَتَاهَا أَمْرُ اللَّهِ مِنْ جِهَةِ قَوَاعِدِهَا فَزَعْزَعَهَا فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ قَرَأَ ابْنُ أَبِي هريرة وابن محيصن «السقف» بضم السين والقاف جميعا. وقرأ مجاهد بضم السين وسكون القاف، وقرأ الباقون «السَّقْفُ» بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ سَقَطَ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ لِأَنَّهُ بَعْدَ سُقُوطِ قَوَاعِدِ الْبِنَاءِ يَسْقُطُ جَمِيعُ مَا هُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ فَوْقِهِمْ لِيُعْلِمَكَ أَنَّهُمْ كَانُوا حَالِّينِ تَحْتَهُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: خَرَّ عَلَيْنَا سَقْفٌ، وَوَقَعَ عَلَيْنَا حَائِطٌ إِذَا كَانَ يَمْلِكُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَعَ عَلَيْهِ، فَجَاءَ بِقَوْلِهِ: مِنْ فَوْقِهِمْ لِيُخْرِجَ هَذَا الشَّكَّ الَّذِي فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَقَالَ: مِنْ فَوْقِهِمْ أَيْ: عَلَيْهِمْ وَقَعَ، وَكَانُوا تَحْتَهُ فَهَلَكُوا، وَمَا أَفْلَتُوا وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالسَّقْفِ السَّمَاءُ، أَيْ: أَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنَ السَّمَاءِ الَّتِي فَوْقَهُمْ وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَمْثِيلٌ لِهَلَاكِهِمْ وَالْمَعْنَى: أَهْلَكَهُمْ فَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَقَطَ بُنْيَانُهُ عَلَيْهِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ، فَقِيلَ: هُوَ نُمْرُوذُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ بُخْتَنَصَّرُ وَأَصْحَابُهُ، وَقِيلَ: هُمُ الْمُقْتَسِمُونَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ أَيِ: الْهَلَاكُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ بِهِ، بَلْ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُمْ فِي أَمَانٍ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ عَذَابَهُمْ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى عَذَابِ الدُّنْيَا.
فَقَالَ: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ بِإِدْخَالِهِمُ النَّارَ، وَيَفْضَحُهُمْ بِذَلِكَ وَيُهِينُهُمْ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ: هَذَا عَذَابُهُمْ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ تَوْبِيخًا وَتَقْرِيعًا أَيْنَ شُرَكائِيَ كَمَا تَزْعُمُونَ وَتَدَّعُونَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ الْبَزِّيِّ «شُرَكَايَ» مِنْ دُونِ هَمْزٍ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْهَمْزِ، ثُمَّ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الشُّرَكَاءَ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَرَأَ نَافِعٌ بِكَسْرِ النُّونِ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، أَيْ: تُخَاصِمُونَ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِيهِمْ، وَعَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ تُخَاصِمُونَنِي فِيهِمْ وَتُعَادُونَنِي: ادْعُوهُمْ فَلْيَدْفَعُوا عَنْكُمْ هَذَا الْعَذَابَ النَّازِلَ بِكُمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لَا جَرَمَ يَقُولُ: بَلَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ لَا جَرَمَ قَالَ: يَعْنِي الْحَقَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: لَا كَذِبَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حسنا،

نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 189
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست