responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 336
بَدْرٍ، وَأَنَّ أَهْلَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَنْحَازُوا، وَلَوِ انْحَازُوا لَانْحَازُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمُونَ غَيْرَهُمْ وَلَا لَهُمْ فِئَةٌ إِلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا بَعْدُ ذَلِكَ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ فِئَةٌ لِبَعْضٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالُوا:
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ فَإِنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الضَّعْفِ. وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ عَامَّةٌ غَيْرُ خَاصَّةٍ، وَأَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ مُحَرَّمٌ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ. وَأُجِيبُ عَنْ قَوْلِ الْأَوَّلِينَ: بِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِي يَوْمَئِذٍ إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ: بِأَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى يَوْمِ الزَّحْفِ كَمَا يُفِيدُهُ السِّيَاقُ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَآيَةِ الضَّعْفِ، بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ مُقَيَّدَةٌ بِهَا، فَيَكُونُ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ مُحَرَّمًا بِشَرْطِ مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ فِي آيَةِ الضَّعْفِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ يَوْمَ بَدْرٍ مُسْلِمُونَ غَيْرَ مِنْ حَضَرَهَا، فَقَدْ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ إِذْ ذَاكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَمْ يَأْمُرْهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ خَرَجَ مَعَهُ لَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّهُ سَيَكُونُ قِتَالٌ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا وُرُودُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ، كَمَا فِي حَدِيثِ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، وَفِيهِ: وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ» وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَهَذَا الْبَحْثُ تَطُولُ ذُيُولُهُ وَتَتَشَعَّبُ طُرُقُهُ، وَهُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوَاطِنِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْأَدْبَارُ: جَمْعُ دُبُرٍ، وَالْعِبَارَةُ بِالدُّبُرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، مُتَمَكِّنَةٌ فِي الْفَصَاحَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الشَّنَاعَةِ عَلَى الْفَارِّ وَالذَّمِّ لَهُ، قَوْلُهُ: إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ التَّحَرُّفُ: الزَّوَالُ عَنْ جِهَةِ الِاسْتِوَاءِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: التَّحَرُّفُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ فِي الْمَعْرَكَةِ طَلَبًا لمكايد الحرب وخدعا لِلْعَدُوِّ، وَكَمَنَ يُوهِمُ أَنَّهُ مُنْهَزِمٌ لِيَتْبَعَهُ الْعَدُوُّ فَيَكِرَّ عَلَيْهِ وَيَتَمَكَّنَ مِنْهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ مَكَائِدِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ.
قَوْلُهُ: أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ أَيْ: إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ الْجَمَاعَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْعَدُوِّ، وَانْتِصَابُ مُتَحَرِّفًا ومتحيزا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْمُوَلِّينَ، أَيْ: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ دُبُرَهُ إِلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ مُتَحَرِّفًا أَوْ مُتَحَيِّزًا، وَيَجُوزُ انْتِصَابُهُمَا عَلَى الْحَالِ، وَيَكُونُ حَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ لَغْوًا لَا عَمَلَ لَهُ، وَجُمْلَةُ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ جَزَاءٌ لِلشَّرْطِ.
وَالْمَعْنَى: مَنْ يَنْهَزِمُ وَيَفِرُّ مِنَ الزَّحْفِ فَقَدْ رَجَعَ بِغَضَبٍ كَائِنٍ مِنَ اللَّهِ إِلَّا الْمُتَحَرِّفَ وَالْمُتَحَيِّزَ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ أَيِ: الْمَكَانُ الَّذِي يَأْوِي إِلَيْهِ هُوَ النَّارُ: فَفِرَارُهُ أَوْقَعُهُ إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ بَلَاءً مِمَّا فَرَّ مِنْهُ وَأَعْظَمُ عُقُوبَةً. وَالْمَأْوَى:
مَا يَأْوِي إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ مَا صَارَ إِلَيْهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ. وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنْ يَفِرُّ عَنِ الزَّحْفِ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَةِ. قَوْلُهُ: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٌ، أَيْ: إِذَا عَرَفْتُمْ مَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ إِمْدَادِهِ لَكُمْ بِالْمَلَائِكَةِ، وَإِيقَاعِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ، فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ، بِمَا يَسَّرَهُ لَكُمْ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّصْرِ. قَوْلُهُ: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذَا الرَّمْيِ عَلَى أَقْوَالٍ: فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ: مَا كَانَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ، فَإِنَّهُ رَمَى الْمُشْرِكِينَ بِقَبْضَةٍ مِنْ حَصْبَاءِ الْوَادِي فَأَصَابَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ: الرَّمْيَةُ الَّتِي رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ بِالْحَرْبَةِ فِي عُنُقِهِ فَانْهَزَمَ وَمَاتَ مِنْهَا وَقِيلَ:
الْمُرَادُ بِهِ: السَّهْمُ الَّذِي رَمَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِصْنِ خَيْبَرَ، فَسَارَ فِي الْهَوَاءِ حَتَّى أَصَابَ ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ ضَعِيفَةٌ، فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَقِبَ وَقْعَةِ بِدْرٍ. وَأَيْضًا الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ السِّيَرِ

نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 336
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست