responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 457
فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ - ج 4) فَإِذَا تَابَ تَنْتَقِلُ نَفْسُهُ بِهِ مِنْ دَرَكَةِ (النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ) إِلَى دَرَجَةِ (النَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) وَلَا يَزَالُ يُجَاهِدُهَا فِي مِثْلِهِ إِلَى أَنْ يَرْتَقِيَ إِلَى دَرَجَةِ (النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ) فَإِذَا هُوَ أَطَاعَ النَّفْسَ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ فَإِنَّهَا تَهْبِطُ بِهِ إِلَى دَرَكَةِ الْفُحْشِ وَالْفُجُورِ، وَرُبَّمَا تَهْوِي بِهِ إِلَى اسْتِحْلَالِ الْمَعَاصِي، وَهُوَ مِنَ الْكُفْرِ، كَمَنْ يُدْمِنُ النَّظَرَ بِشَهْوَةٍ إِلَى بَعْضِ الْحِسَانِ فَيَنْتَقِلُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْمُغَازَلَةِ، وَمِنَ الْمُغَازَلَةِ إِلَى الْمُهَازَلَةِ، وَمِنَ الْمُهَازَلَةِ إِلَى الْمُلَاعَبَةِ وَالْمُبَاعَلَةِ، وَمِنْهَا إِلَى الْمُفَاعَلَةِ. قَالَ الشَّاعِرُ الْعَرَبِيُّ:
فَلَمَّا رَأَتْنِي رَأْرَأَتْ ثُمَّ أَقْبَلَتْ ... تُهَازِلُنِي وَالْهَزْلُ دَاعِيَةُ الْعُهْرِ
وَقَالَ شَاعِرٌ مُصِرٌّ فِي التَّنَقُّلِ مِنْ كُلِّ حَالَةٍ إِلَى مَا بَعْدَهَا:
نَظْرَةٌ فَابْتِسَامَةٌ فَسَلَامٌ فَكَلَامٌ فَمَوْعِدٌ فَلِقَاءٌ
وَقَدِ اسْتَفْتَانِي شَابٌّ مِصْرِيٌّ افْتُتِنَ بِفَتَاةٍ شَغَفَتْهُ حُبًّا، فَكَانَ يَخْلُو بِهَا - لِمَا فِي مِصْرَ فِي هَذَا الْعَهْدِ مِنْ إِبَاحَةِ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَثِيرِينَ - فَيَتَدَاعَبَانِ حَتَّى يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْفَضِيحَةَ الْكُبْرَى، ثُمَّ يَتَفَارَقَانِ فَيَنْدَمُ وَيَتُوبُ، وَيَعْزِمُ أَلَّا يَعُودَ، حَتَّى إِذَا مَا زَارَتْهُ نَقَضَ الْعَزْمَ، ثُمَّ يُفَارِقُهَا فَيُبْرِمُهُ وَيُؤَكِّدُهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ تَغْلِبُهُ عَلَى أَمْرِهِ فَيَنْكُثُ مَا أَبْرَمَ، وَيَحْنَثُ بِمَا أَقْسَمَ، حَتَّى قَالَ أَخِيرًا: لَئِنْ عُدْتُ لَأَكُونَنَّ بَرِيئًا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنَّهُ عَادَ مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ، لَا يَمْلِكُ تِجَاهَ سِحْرِ فَاتِنَتِهِ شَيْئًا مِنْ قُوَّةِ إِرَادَتِهِ، فَعَظُمَ هَذَا الْحِنْثُ الْعَظِيمُ عَلَيْهِ، وَجَاءَنِي مُسْتَفْتِيًا فِيمَا وَقَعَ فِيهِ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ، فَوَعَظْتُهُ وَأَرْشَدْتُهُ بِمَا أَلْهَمَنِي اللهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَعُدْ إِلَيَّ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا أَدْرِي كَيْفَ انْتَهَتْ فِتْنَتُهُ، وَقَدْ حَدَثَ هَذَا مُنْذُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً هَبَطَتْ بِهَا الْبِلَادُ الْمِصْرِيَّةُ إِلَى الدَّرَكَاتِ السُّفْلَى مِنَ الْإِبَاحَةِ.
الرَّاجِحُ أَنَّ هَذَا الشَّابَّ مِنْ أَحَدِ الْبُيُوتِ الَّتِي لَا تَزَالُ فِيهَا بَقِيَّةٌ مِنَ التَّرْبِيَةِ الدِّينِيَّةِ، وَأَخْلَاقِ الْعِفَّةِ وَالْحَيَاءِ الْمَوْرُوثَةِ، وَهَذِهِ التَّرْبِيَةُ وَهَذِهِ الْأَخْلَاقُ الَّتِي كَانَ بِهَا الشَّعْبُ ذَا وُجُودٍ مُمْتَازٍ مُسْتَقِلٍّ فِي نَفْسِهِ، فَطَفِقَ دُعَاةُ الْإِلْحَادِ وَالزَّنْدَقَةِ وَإِبَاحَةِ الشَّهَوَاتِ يَهْدِمُونَهَا بِاسْمِ التَّجْدِيدِ الْمَدَنِيِّ، وَالتَّقْلِيدِ الْأُورُبِّيِّ، وَمِنْهُ وُجُوبُ السُّفُورِ الَّذِي يَعْنُونَ بِهِ إِبَاحَةَ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَمُعَاشَرَةِ الْفِتْيَانِ لِلْفَتَيَاتِ بِحُجَّةِ التَّمْهِيدِ لِلزَّوَاجِ عَنْ تَعَارُفٍ وَحُبٍّ وَاخْتِبَارٍ. . . وَقَدْ تَفَاقَمَتِ اسْتِبَاحَةُ التَّهَتُّكِ وَالْفُجُورِ فِي هَذِهِ السِّنِينَ إِلَى حَدٍّ يُنْذِرُ بِهَلَاكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَالنِّسَاءُ يَرْقُصْنَ مَعَ الرِّجَالِ كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ، وَيَسْبَحْنَ مَعَهُنَّ فِي شَوَاطِئِ الْبِحَارِ، وَقَلَّمَا تُعَاشِرُ الْفَتَاةُ الْعَذْرَاءُ شَابًّا، وَلَوْ بِقَصْدِ الزَّوَاجِ عَنْ تَعَرُّفٍ وَحُبٍّ وَاخْتِبَارٍ، إِلَّا وَيَنْتَهِي هَذَا الِاخْتِبَارُ بِفَضِيحَةِ الِافْتِرَاقِ، ثُمَّ لَا يَكُونُ الزَّوَاجُ مَضْمُونًا، وَإِذَا وَقَعَ لَا يَكُونُ الْوِفَاقُ غَالِبًا، وَلَا حُبُّ شَهْوَةِ الصِّبَا دَائِمًا، بَلْ يَصِيرُ الِاخْتِبَارُ لِكُلِّ مِنْهُمَا عَادَةً مِنَ الْعَادَاتِ، وَالتَّنَقُّلُ مِنْ حَبِيبٍ إِلَى آخَرَ مِنْ أَفْتَنِ اللَّذَّاتِ، وَإِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الذَّوَّاقِينَ وَالذَّوَّاقَاتِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 457
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست