responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 473
فِي تَحْدِيدِ الْأَمَانَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْقِسْطِ وَالْبَخْسِ، وَضُرُوبٌ مِنَ الْهَوَى فِي تَطْبِيقِ حُدُودِهَا أَوْ رُسُومِهَا عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا، وَضُرُوبٌ مِنَ التَّأْوِيلِ وَالشُّبَهَاتِ فِي الْمُسَاوَاةِ فِيهَا بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْغَرِيبِ وَالصَّدِيقِ وَالْعَدُوِّ وَالضَّعِيفِ وَالْقَوِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ. وَأَمَّا الدِّينُ فَيُوجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ إِقَامَةَ الْعَدْلِ لِذَاتِهِ بِالْمُسَاوَاةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ) (5: 8) وَيَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) .
لَمْ يَصِلِ الْبَشَرُ فِي عَصْرٍ مِنْ عُصُورِ التَّارِيخِ إِلَى عُشْرِ مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ فِي هَذَا الْعَصْرِ مِنَ الْعِلْمِ بِالْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ وَالْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ فِي مُعَامَلَاتِهِ وَآدَابِهِ حَتَّى زَعَمَ كَثِيرٌ مِنَ الْبَاحِثِينَ وَالْمُفَكِّرِينَ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ بِالْعِلْمِ عَنِ الدِّينِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَحْدَاثِ بِإِقْنَاعِهِمْ بِمَنَافِعِ الْفَضَائِلِ كَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَالْعَدْلِ، وَمَضَارِّ الرَّذَائِلِ كَأَضْدَادِهَا، وَأَنَّ هَذَا أَهْدَى وَأَقْوَى إِقْنَاعًا مِنَ التَّبْشِيرِ بِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَالْإِنْذَارِ بِعَذَابِهَا. وَلَكِنَّا نَرَى رُؤَسَاءَ أَوْ وُزَرَاءَ أَرْقَى الْأُمَمِ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ يَقْتَرِفُونَ أَفْحَشَ الرَّذَائِلِ بِالتَّأْوِيلِ لَهَا، وَتَسْمِيَتِهَا بِغَيْرِ أَسْمَائِهَا، وَبِالْخَفَاءِ وَالْحِيَلِ، وَمَا زَالُوا يُرَاءُونَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ حَتَّى فَضَحَتْهُمْ وَفَضَحَتْ شُعُوبَهُمُ الْحَرْبُ الْأَخِيرَةُ، فَثَبَتَ بِهَا أَنَّهُمْ شَرُّ الْبَشَرِ وَأَعْرَقُهُمْ فِي الرَّذَائِلِ الْعَامَّةِ كَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ بِالظُّلْمِ وَالطَّمَعِ. وَالْمُبَارَاةِ فِي وَسَائِلِ إِفْسَادِ الشُّعُوبِ صِحَّةً وَأَخْلَاقًا وَاسْتِذْلَالًا، لِأَجْلِ الِاسْتِلْذَاذِ بِاسْتِبْعَادِهَا، وَالِاسْتِئْثَارِ بِثَمَرَاتِ أَعْمَالِهَا. عَلَى أَنَّهُمْ يَمُنُّونَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ زَعْمًا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَجْذِبُونَهَا بِهِ إِلَى حَضَارَتِهِمُ الْمَلْعُونَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْإِسْرَافِ فِي الشَّهَوَاتِ، وَاسْتِحْلَالِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ وَجَعْلِ ذَلِكَ مِنَ الْحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ الَّتِي يُبَالِغُونَ فِي مَدْحِهَا، وَعُدَّ هَذَا الْإِطْلَاقُ سَبَبًا لِلْكَمَالِ فِيهَا.
هَذَا وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي الْجَمْعَ بَيْنَ عُلُومِ الْحُقُوقِ وَالْآدَابِ وَالْفَضَائِلِ وَسُنَنِ الِاجْتِمَاعِ، وَبَيْنَ دِينِ الْمُبَالَغَةِ فِي الزُّهْدِ وَالْعِفَّةِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْإِيثَارِ، وَهِيَ الْمِلَّةُ الْمَسِيحِيَّةُ الَّتِي يَفْتَخِرُونَ بِوَصْفِ أُمَمِهِمْ بِهَا، وَهُمْ أَبْعَدُ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِ اللهِ عَنْهَا - فَالتَّحْقِيقُ الَّذِي ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ وَالتَّجَارِبِ الدَّقِيقَةِ أَنَّ مَلَكَاتِ الْفَضَائِلِ لَا تَنْطَبِعُ فِي الْأَنْفُسِ إِلَّا بِالتَّرْبِيَةِ الدِّينِيَّةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 473
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست