responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 471
ذَلِكَ لَيْسَ شَرْطًا لِلْخَيْرِيَّةِ نَفْسِهَا بَلْ لِفِعْلِهِمْ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَأْتُوا بِهِ إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِينَ بِي. فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَا تَوَقُّفَ لِلْخَيْرِيَّةِ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ عَلَى تَصْدِيقِهِمْ بِهِ. وَقَدْ أَطَالُوا الِاحْتِمَالَاتِ فِي الْآيَةِ حَتَّى زَعَمَ الْخَيَالِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ: (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ وَهُوَ مِنْ خَيَالَاتِهِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا.
وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا التَّذْيِيلَ كَأَمْثَالِهِ فِي الْقُرْآنِ مَقْصُودٌ بِالذَّاتِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى: ذَلِكُمُ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَعَدَمِ إِشْرَاكِ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ فِي عِبَادَتِهِ لِمَا تَرَوْنَ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ تَرْجُونَهُ أَوْ ضُرٍّ تَخَافُونَهُ - وَمِنْ إِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ بِالْقِسْطِ. وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ - ذَلِكُمْ كُلُّهُ خَيْرٌ لَكُمْ فِي مَعَاشِكُمْ وَمَعَادِكُمْ. وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ خَيْرِيَّتُهُ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ
وَمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَغَيْرِهَا. ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ يَقْتَضِي الِاتِّبَاعَ وَالِامْتِثَالَ وَالْعَمَلَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ خَالَفَ الْهَوَى أَوْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ فَائِدَتُهُ وَمَنْفَعَتُهُ بَادِيَ الرَّأْيِ، بَلْ يَقْتَضِيهِ حَتَّى فِيمَا يَظُنُّ الْمُؤْمِنُ أَنَّهُ مُنَافٍ لِمَصْلَحَتِهِ، فَتَحْصُلُ لَهُ فَوَائِدُهُ وَمَنَافِعُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عِلَّةٌ أَوْ سَبَبٌ لَهَا بِحَسَبِ حِكْمَةِ اللهِ وَسُنَنِهِ الَّتِي أَقَامَ بِهَا نِظَامَ الْعَالَمِ الْإِنْسَانِيِّ. فَكَيْفَ إِذَا عَلِمَ ذَلِكَ بِالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ وَالْوُقُوفِ عَلَى حِكَمِهِ وَأَسْرَارِهِ - كَكَوْنِ التَّوْحِيدِ وَاجْتِنَابِ نَزَعَاتِ الشِّرْكِ تَرْفَعُ قَدْرَ الْإِنْسَانِ، وَتُطَهِّرُ عَقْلَهُ وَنَفْسَهُ فِي الْخُرَافَاتِ وَالْأَوْهَامِ وَتَعْتِقُ إِرَادَتَهُ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ وَالذِّلَّةِ لِمَخْلُوقٍ مِثْلِهِ مُسَاوٍ لَهُ فِي كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مُسَخَّرًا لِإِرَادَةِ الْخَالِقِ وَسُنَنِهِ، وَإِنْ فَاقَهُ فِي عَظَمَةِ الْخَلْقِ أَوْ عِظَمِ الْمَنْفَعَةِ كَالشَّمْسِ، أَوْ بَعْضِ الصِّفَاتِ أَوِ الْخَصَائِصِ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ، أَوْ فِي الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ عَبَدُوا الْمُلُوكَ الْجَبَّارِينَ فَاتَّخَذُوهُمْ آلِهَةً وَأَرْبَابًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَزَالُ يُذَلُّ لَهُمْ وَيُطِيعُهُمْ وَلَوْ فِي الْبَاطِلِ وَالْجَوْرِ خَوْفًا مِنْهُمْ، أَوْ رَجَاءً فِي رِفْدِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ شَأْنِ الْمُوَحِّدِينَ، قَالَ تَعَالَى: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (3: 175) فَالْمُؤْمِنُ الْمُوَحِّدُ لَا يَخْضَعُ لِأَحَدٍ لِذَاتِهِ إِلَّا لِرَبِّهِ وَإِلَهِهِ، وَإِنَّمَا يُطِيعُ رَسُولَهُ لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنْهُ، قَالَ تَعَالَى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ) (4: 80) وَقَالَ خَاتَمُ رُسُلِهِ: " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَالَ: " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّ الظَّنَّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَلَكِنْ مَا قُلْتُ لَكُمْ قَالَ اللهُ فَلَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 471
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست