responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 462
ابْتِلَاءُ مُتْرَفِي الْحَضَارَةِ بِهَذِهِ الْفَاحِشَةِ
لَيْسَ لَدَيْنَا أَثَارَةٌ مِنَ التَّارِيخِ فِي سَبَبِ ابْتِلَاءِ قَوْمِ لُوطٍ بِهَذِهِ الْفَاحِشَةِ، وَلَكِنْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ رُوَاةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إِبْلِيسَ تَزَيَّا لَهُمْ فِي صُورَةِ أَجْمَلِ صَبِيٍّ رَآهُ النَّاسُ فَدَعَاهُمْ إِلَى نَفْسِهِ ثُمَّ جَرَوْا عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا أَثَرٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ. وَأَخْرَجَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ ثِمَارٌ بَعْضُهَا عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، وَأَنَّهُ أَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَقِلَّةُ ثِمَارٍ فَتَوَاطَئُوا عَلَى مَنْعِ ثِمَارِهِمُ الظَّاهِرَةِ أَنْ يُصِيبَ مِنْهَا أَبْنَاءُ السَّبِيلِ بِأَنْ يُعَاقِبُوا كُلَّ غَرِيبٍ يَأْخُذُونَهُ فِي دِيَارِهِمْ بِإِتْيَانِهِ وَتَغْرِيمِهِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، قَالُوا: فَإِنَّ النَّاسَ لَا يَظْهَرُونَ بِبِلَادِكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ. فَفَعَلُوهُ فَأَلِفُوهُ. وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُنَزِّهُ أَنْفُسَهَا عَنْ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بِالْأَوْلَى، وَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ آنِفًا مِنْ تَشَاوُرِ الصَّحَابَةِ فِي الْعِقَابِ عَلَيْهَا كَانَ سَبَبُهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنْ وَجَدَ رَجُلًا فِي بَعْضِ ضَوَاحِي بِلَادِ الْعَرَبِ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ. فَجَمَعَ لِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَشَارَهُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِذْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مَثَلٌ، فَأَشَارَ عَلِيُّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ بِأَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ - أَيْ بَعْدَ قَتْلِهِ - كَمَا تَقَدَّمَ فَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ وَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى خَالِدٍ بِذَلِكَ فَأَمْضَاهُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ضَوَاحِي بِلَادِ الْعَرَبِ مَا يَلِي بِلَادَ فَارِسٍ مِنْهَا إِذْ كَانَ هُنَالِكَ، وَلَمْ نَعْلَمْ جِنْسَ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَعَاجِمِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: أَوَّلُ مَنِ اتُّهِمَ بِالْأَمْرِ الْقَبِيحِ - تَعْنَى عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ - رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَأَمَرَ عُمَرُ بَعْضَ شَبَابِ قُرَيْشٍ أَلَّا يُجَالِسُوهُ. أَيْ لِمُجَرَّدِ التُّهْمَةِ.
هَذِهِ الْفَاحِشَةُ مِنْ سَيِّئَاتِ تَرَفِ الْحَضَارَةِ وَهِيَ تَكْثُرُ فِي الْمُسْرِفِينَ فِي التَّرَفِ، وَلَا سِيَّمَا حَيْثُ يَتَعَسَّرُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالنِّسَاءِ، كَثُكْنَاتِ الْجُنْدِ، وَالْمَدَارِسِ الَّتِي لَا تَشْتَدُّ الْمُرَاقَبَةُ الدِّينِيَّةُ الْأَدَبِيَّةُ فِيهَا عَلَى التَّلَامِيذِ، وَمِنْ أَسْبَابِ ابْتِلَاءِ بَعْضِ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ بِهَا فِي عُنْفُوَانِ حَضَارَتِهِمُ احْتِجَابُ النِّسَاءِ وَعِفَّتُهُنَّ مَعَ ضَعْفِ التُّرْبَةِ الدِّينِيَّةِ، وَكَثْرَةِ الْمَمَالِيكِ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَعَاجِمِ الْحِسَانِ الصُّوَرِ وَالِاتِّجَارِ بِهِمْ. قَالَ الْفَقِيهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْكَبِيرَةِ مِنْ كِتَابِهِ الزَّوَاجِرِ مَا نَصُّهُ:
" وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ بِمَمْلُوكِهِ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ مِنَ اللُّوطِيَّةِ الْمُجْرِمِينَ الْفَاسِقِينَ الْمَلْعُونِينَ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَقَدْ فَشَا ذَلِكَ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُتْرَفِينَ، فَاتَّخَذُوا حِسَانَ الْمَمَالِيكِ سُودًا وَبِيضًا لِذَلِكَ، فَعَلَيْهِمْ أَشَدُّ اللَّعْنَةِ الدَّائِمَةِ الظَّاهِرَةِ، وَأَعْظَمُ الْخِزْيِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 462
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست