responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 406
(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) التَّضَرُّعُ تَفَعُّلٌ مِنَ الضَّرَاعَةِ مَعْنَاهُ تَكَلُّفُهَا أَوِ الْمُبَالَغَةُ فِيهَا أَوْ إِظْهَارُهَا وَاخْتَارَهُ الرَّاغِبُ، وَهِيَ مَصْدَرُ ضَرَعَ كَخَشَعَ إِذَا ضَعُفَ وَذَلَّ، وَتَلَوَّى وَتَمَلْمَلَ، وَمَأْخَذُهَا مِنْ قَوْلِهِمْ ضَرَعَ إِلَيْهِمْ إِذَا تَنَاوَلَ ضَرْعَ أُمِّهِ، وَإِنَّ حَاجَةَ الصَّغِيرِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْإِنْسَانِ إِلَى الرِّضَاعِ مِنْ أَمِّهِ لَمِنْ أَشَدِّ مَظَاهِرِ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ بِشُعُورِ الْوِجْدَانِ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يَتَوَجَّهُ إِلَى غَيْرِهِ مَعَهُ، وَلِذَلِكَ خُصَّ اسْتِعْمَالُ التَّضَرُّعِ فِي التَّنْزِيلِ بِمَوَاطِنِ الشِّدَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَاتِ 42، 43، 63 مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَمِثْلُهُ فِي سُورَةِ " الْمُؤْمِنُونَ " (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) (76) وَذَلِكَ أَنَّ دُعَاءَ اللهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا سِيَّمَا فِي حَالِ الشِّدَّةِ هُوَ مُخُّ الْعِبَادَةِ وَرُوحُهَا، وَلَهُ مَظْهَرَانِ: التَّضَرُّعُ وَالِابْتِهَالُ،
وَالْخُفْيَةُ وَالْإِسْرَارُ. أَيِ ادْعُوا رَبَّكُمْ وَمُدَبِّرَ أُمُورِكُمْ مُتَضَرِّعِينَ مُبْتَهِلِينَ إِلَيْهِ تَارَةً، وَمُسِرِّينَ مُسْتَخْفِينَ تَارَةً أُخْرَى، أَوْ دُعَاءُ تَضَرُّعٍ وَتَذَلُّلٍ وَابْتِهَالٍ، وَدُعَاءُ مُنَاجَاةٍ وَإِسْرَارٍ وَوَقَارٍ، وَلِكُلٍّ مِنَ الدُّعَاءَيْنِ وَقْتٌ، وَدَاعِيَةٌ مِنَ النَّفْسِ، فَالتَّضَرُّعُ بِالْجَهْرِ الْمُعْتَدِلِ تَحْسُنُ فِي حَالِ الْخَلْوَةِ وَالْأَمْنِ مِنْ رُؤْيَةِ النَّاسِ الدَّاعِيَ وَمِنْ سَمَاعِهِمْ لِصَوْتِهِ، فَلَا جَهْرُهُ يُؤْذِيهِمْ وَلَا الْفِكْرُ فِيهِمْ يَشْغَلُهُ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى الرَّبِّ وَحْدَهُ، أَوْ يُفْسِدُ عَلَيْهِ دُعَاءَهُ بِحُبِّ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ. وَالْإِسْرَارُ يَحْسُنُ فِي حَالِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاعِرِ وَغَيْرِهَا إِلَّا مَا وَرَدَ رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ مِنَ الْجَمِيعِ، كَالتَّلْبِيَةِ فِي الْحَجِّ وَتَكْبِيرِ الْعِيدَيْنِ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ لَا رِيَاءَ فِيهِ، وَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ سَتْرًا وَلِبَاسَا شُرِعَ فِيهِ الْجَهْرُ فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ لِلْمُجْتَهِدِ فِي خَلْوَتِهِ يَطْرُدُ الْوَسْوَاسَ، وَيُقَاوِمُ فُتُورَ النُّعَاسِ، وَيُعِينُ عَلَى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَبُكَاءِ الْخُشُوعِ لِلرَّحْمَنِ.
هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنَ اللَّفْظِ عِنْدَنَا. وَمِنْ مُفَسِّرِي السَّلَفِ مَنْ جَعَلَ التَّضَرُّعَ وَالْخُفْيَةَ مُتَّفِقَيْنِ غَيْرَ مُتَقَابِلَيْنِ، بِتَفْسِيرِ التَّضَرُّعِ بِالتَّخَشُّعِ وَالتَّذَلُّلِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَجَعَلَ النَّاسَ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ " هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فَفِيهِ خَفْضُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ إِذَا لَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إِلَى رَفْعِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا خَفَضَهُ كَانَ أَبْلَغَ فِي تَوْقِيرِهِ وَتَعْظِيمِهِ، فَإِذَا دَعَتْ حَاجَةٌ إِلَى الرَّفْعِ رَفَعَ كَمَا جَاءَتْ بِهِ أَحَادِيثُ اهـ. وَالْمُتَبَادَرُ مِنَ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْإِنْكَارَ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْجَهْرِ وَنَاهِيكَ بِكَوْنِهِ مِنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ، وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ يَظُنُّ أَنَّ الْجَهْرَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ أَرْضَى لِلرَّبِّ وَأَرْجَى لِلْقَبُولِ، وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا) (17: 110) .
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَقَدْ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَمَا يَشْعُرُ بِهِ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَقَدْ فَقِهَ الْفِقْهَ الْكَثِيرَ وَمَا يَشْعُرُ بِهِ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُصَلِّيَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 406
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست