responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 362
الْهَلَاكِ. وَلْيُرَاجِعْ مَنْ شَاءَ مَا دَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِكَ السِّيَاسِيِّ السُّوِيسِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ مِنْ رِحْلَتِي الْأُورُبِّيَّةِ فِي الْمَنَارِ (ج 8 م 23) .
عَلَى أَنَّ الْحَرْبَ الْأَخِيرَةَ قَدْ ثَلَّتْ عَرْشَ قَيَاصِرَةِ الرُّوسِ وَالنَّمِسَةِ، وَمَزَّقَتْ مَمَالِكَهُمَا كُلَّ مُمَزَّقٍ، كَمَا مَزَّقَتْ سَلْطَنَةَ آلِ عُثْمَانَ فَجَعَلَتْهَا فِي خَبَرِ كَانَ. وَأَسْقَطَتْ عَرْشَ عَاهِلِ الْأَلْمَانِ، وَصَارَتْ دَوْلَتُهُمْ جُمْهُورِيَّةً، وَثَلَّتْ عُرُوشَ مُلُوكٍ آخَرِينَ، وَمَا بَقِيَ مِنَ الدُّوَلِ وَالْأُمَمِ فِي أُورُبَّةَ لَمْ يَتَّعِظُوا وَلِمَ يَزْدَجِرُوا، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ عُلَمَاءُ الِاجْتِمَاعِ وَالْأَخْلَاقِ وَفَلَاسِفَةُ التَّارِيخِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَدْ دَبَّ إِلَيْهِمْ دَاءُ الْأُمَمِ الَّذِي هَلَكَ بِهِ مَنْ قَبْلَهُمْ وَيُنْذِرُونَهُمْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ لَا يَتَّعِظُونَ وَلَا يَتُوبُونَ مِنْ ذَنْبِهِمْ، وَلَا يَثُوبُونَ إِلَى رُشْدِهِمْ؟ .
قُلْنَا: إِنَّ أَمْرَنَا فِي ذَلِكَ أَعْجَبُ مِنْ أَمْرِهِمْ، فَقَدْ أَنْذَرَنَا رَبُّنَا فِي كِتَابِهِ مِثْلَ هَذَا فِي أَمْرِ دُنْيَانَا وَآخِرَتِنَا جَمِيعًا، وَلِكَلَامِ اللهِ تَعَالَى مِنَ السُّلْطَانِ عَلَى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، مَا لَيْسَ لِكَلَامِ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ الْمَادِّيِّينَ، فَمِنَّا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْمَعُ النُّذُرَ، وَمَنْ لَا يَعْقِلُهَا إِذَا سَمِعَهَا (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ) (8: 23) وَمَنْ يَتَمَارَوْنَ بِهَا أَوْ يَتَأَوَّلُونَهَا، وَمَنْ تُغْرِهِمْ أَنْفُسُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَتَّقُونَهَا، فَتَعْدُوهُمْ أَوْ يَعْدُونَهَا، وَمَنْ يَجْهَلُونَ عِلَاجَ الْعِلَّةِ أَوْ يَعْجَزُونَ عَنْهُ، وَمَتَى أَزْمَنَ الدَّاءُ بَطُلَ فِعْلُ الدَّوَاءِ، وَإِذَا تَمَكَّنَتِ الْأَهْوَاءُ فِي الْأَنْفُسِ وَصَارَتْ مَلَكَاتٍ لَهَا، مَلَكَتْ عَلَيْهَا أَمْرَهَا، وَغَلَبَتْهَا عَلَى اخْتِيَارِهَا، وَهَذَا مُشَاهَدُ فِي الْأَفْرَادِ وَالْأُمَمُ أَوْلَى بِهِ مِنْهَا. فَإِنَّكَ تَرَى بَعْضَ الْأَطِبَّاءِ يَسْكَرُونَ وَهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ ضَرَرِ السُّكْرِ، وَلَكِنَّ دَاعِيَتَهُ أَرْجَحُ فِي النَّفْسِ مِنْ وَازِعِ الْعَقْلِ وَالْفِكْرِ. عَذَرْتُ طَبِيبًا عَلَى الشُّرْبِ مُذَكِّرًا لَهُ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ ضُرِّهِ - فَقَالَ لِأَنْ أَعِيشَ عَشْرًا بِلَذَّةٍ آثَرُ عِنْدِي مِنْ أَنْ أَعِيشَ عِشْرِينَ مَحْرُومًا مِنْهَا. فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ هَذَا مَضْمُونًا لَكَ، لَجَازَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْكَ، وَلَكِنَّ عِلْمَكُمْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ. فَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الْخَمْرَ تُحْدِثُ لَكَ مِنَ الْأَسْقَامِ مَا تَعِيشُ بِهِ الْعِشْرِينَ فِي أَشَدِّ الْآلَامِ؟ فَسَكَتَ. وَقَدِ ابْتُلِيَ بِالصَّرَعِ وَغَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتُبْ.
وَهَا نَحْنُ أُولَاءِ قَدْ كُنَّا بِهِدَايَةِ دِينِنَا أُمَّةً عَزِيزَةً قَوِيَّةً مُتَّحِدَةً، فَمَزَّقَتْنَا الْأَهْوَاءُ فَضَعُفْنَا ثُمَّ سَاعَدَ الزَّمَانُ بَعْضَ شُعُوبِنَا فَاعْتَزَّتْ وَعَلَتْ ثُمَّ انْخَفَضَتْ وَضَعُفَتْ، وَقَدْ قَامَ مِنَّا مَنْ يُنْذِرُنَا وَيُذَكِّرُنَا بِآيَاتِ رَبِّنَا وَيَدْعُونَا بِهَا إِلَى مَا يُحْيِينَا فَأَعْرَضَ أُمَرَاؤُنَا وَعُلَمَاؤُنَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ دَهْمَاؤُنَا (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) (54: 4، 5) (وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) (10: 101) .

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 362
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست