responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 361
الْأَمْرَاضِ الْجَسَدِيَّةِ، وَالرِّيَاضَةُ الشَّاقَّةُ الَّتِي يُتَّقَى بِهَا إِضْعَافُ التَّرَفِ لِلْأَبْدَانِ. وَأَعْظَمُ هَذِهِ الْقُوَى الْوَاقِيَةِ لِلْأُمَمِ النِّظَامُ وَمُرَاعَاةُ سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ حَتَّى فِي نَفْسِ الظُّلْمِ، وَفِي إِخْفَائِهِ عَمَّنْ يَضُرُّ الظَّالِمِينَ عِلْمُهُمْ بِهِ وَلَوْ مِنْ أَقْوَامِهِمْ، وَإِتْقَانِ الْوَسَائِلِ وَالْأَسْبَابِ فِي إِلْبَاسِ ظُلْمِهِمْ لِبَاسَ الْعَدْلِ، وَجَعْلِ بَاطِلِهِمْ عَيْنَ الْحَقِّ، وَإِبْرَازِ إِفْسَادِهِمْ فِي صُورَةِ الْإِصْلَاحِ، وَإِيجَادِ أَنْصَارٍ لَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَظْلُومِينَ، بَلْ إِقْنَاعِ الْكَثِيرِينَ مِنْهُمْ، بِأَنَّ سِيَادَتَهُمْ عَلَيْهِمْ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ سِيَادَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا مَحَلَّ لِشَرْحِهِ هُنَا، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الشَّاعِرِ الْمِصْرِيِّ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ مَا كَانَ مِنَ
الظُّلْمِ الْوَطَنِيِّ وَمَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الظُّلْمِ الْأَجْنَبِيِّ فِي مِصْرَ وَأَمْثَالِهَا.
لَقَدْ كَانَ هَذَا الظُّلْمُ فَوْضَى فَهُذِّبَتْ ... حَوَاشِيهِ حَتَّى صَارَ ظُلْمًا مُنَظَّمَا
وَقَدْ قُلْتُ لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ مَرَّةً: مَا بَالُ بَاطِلِ هَؤُلَاءِ الْإِفْرِنْجِ فِي شُئُونِهِمُ السِّيَاسِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ ثَابِتًا نَامِيًا لَا يَدْمَغُهُ الْحَقُّ؟ - أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ - فَقَالَ: إِنَّهُ ثَابِتٌ بِالتَّبَعِ لِلنِّظَامِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى الْحَقِّ، أَيْ فَهُوَ يَزُولُ إِذَا قُذِفَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ مُؤَيَّدٍ بِنِظَامٍ مِثْلِهِ أَوْ خَيْرٍ مِنْهُ، فَهَذَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ لَهُ الْمُسْتَعْبِدُونَ لَهُمْ فِي الشَّرْقِ، مَعَ مُبَارَاتِهِمْ فِي الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ دُونَ التَّرَفِ وَالْفِسْقِ.
بِيدَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَمْنَعُ انْتِقَامَ اللهِ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَجْرِي عَلَى مُقْتَضَى سُنَنِهِ فِي تَأْخِيرِهِ عَنْهُمْ، فَهُوَ مَثَلٌ مِنْ أَمْثَالِ اسْتِئْخَارِ الْعَذَابِ بِأَسْبَابِ تَأْخِيرِ الْأَجَلِ، وَلَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ مَنْعِهِ. فَإِنَّمَا مَنْعُهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالِاعْتِدَالِ، وَالصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ. وَإِنَّ حُكَمَاءَهُمْ وَعُلَمَاءَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَقَدْ نَقَلْنَا بَعْضَ أَقْوَالِهِمْ فِي الْمَنَارِ، وَمِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَنَا فِي مَدِينَةِ (جِنِيفَ - سِوِيسْرَةَ) إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُقَلَاءِ يَتَوَقَّعُونَ قُرْبَ هَلَاكِ أُورُبَّةَ فِي حَرْبٍ عَاجِلَةٍ شَرٍّ مِنَ الْحَرْبِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي فَقَدَتْ بِهَا أُلُوفَ الْأُلُوفِ مِنْ قَتْلَى الْمَعَارِكِ، وَمِثْلَهُمْ مَا بَيْنَ قَتِيلِ مَرَضٍ أَوْ مَخْمَصَةٍ، وَمُشَوَّهٍ أَضْحَى عَالَةً عَلَى الْوَطَنِ. وَإِنَّهُمْ يُرَجِّحُونَ أَلَّا يَعْدُوَ هَلَاكُهَا هَذَا الْجِيلَ. وَمِنْهَا مَا قَالَهُ أَحَدُ ضُبَّاطِ الْإِنْكِلِيزِ فِي أَثْنَاءِ الْحَرْبِ مِنْ حَدِيثٍ دَارَ بَيْنَهُمْ فِي عُمْرِ الْإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الْبِرِيطَانِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ دَبَّ إِلَيْهَا الْفَسَادُ الَّذِي ذَهَبَ بِإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الرُّومَانِ، وَأَنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ أَنَّهَا قَدْ تَعِيشُ ثَمَانِينَ عَامًا. وَقَدْ كُنْتُ مُنْذُ أَيَّامٍ أَتَحَدَّثُ مَعَ بَعْضِ أَذْكِيَاءِ الْيَهُودِ فِي مَفَاسِدِ الْفَرَنْسِيسِ وَقِلَّةِ نَسْلِهِمْ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّنِي أَظُنُّ أَنَّ أَجَلَهُمْ لَا يَتَجَاوَزُ هَذَا الْجِيلَ. فَقَالَ: إِنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ جِيلَيْنِ اثْنَيْنِ. كُلُّ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ مِنَ الرَّجْمِ بِالْغَيْبِ. وَإِنَّمَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَوِ الْإِلْمَامِ بِعِلْمِ الِاجْتِمَاعِ وَسُنَنِ الْعُمْرَانِ لَا فِي الْغَرْبِ وَلَا فِي الشَّرْقِ، هُوَ أَنَّ إِسْرَافَ شُعُوبِ أُورُبَّةَ فِي الْفِسْقِ، وَإِصْرَارِ حُكُومَاتِهَا عَلَى سِيَاسَةِ الْإِفْرَاطِ فِي الطَّمَعِ وَالْمَكْرِ، وَالتَّلْبِيسِ وَالتَّنَازُعِ عَلَى الِاسْتِعْمَارِ وَالْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ، وَتَأْيِيدِ الْأَفْرَادِ مِنْ أَصْحَابِ الْمَالِ، عَلَى الْجَمَاهِيرِ مِنَ الْعُمَّالِ - كُلُّ ذَلِكَ مِنْ دُودِ الْفَسَادِ الْمُفْضِي إِلَى

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 361
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست