responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 359
وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ آجَالِ الْأُمَمِ - وَإِنْ عُرِفَتْ أَسْبَابُهُ وَسُنَنُهُ - لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَدِّدَهُ بِالسِّنِينَ وَالْأَيَّامِ، وَهُوَ مُحَدَّدٌ فِي عِلْمِ اللهِ تَعَالَى بِالسَّاعَاتِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) السَّاعَةُ: فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَقَلِّ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَنِ، وَالسَّاعَةُ الْفَلَكِيَّةُ اصْطِلَاحٌ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ 24 جُزْءٍ مِنْ مَجْمُوعِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. أَيْ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُ كُلِّ أُمَّةٍ كَانَ عِقَابُهُمْ فِيهِ لَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْهُ أَقَلَّ تَأَخُّرٍ، كَمَا أَنَّهُمْ لَا يَتَقَدَّمُونَ عَنْهُ إِذَا لَمْ يَجِيءْ، أَوْ لَا يَمْلِكُونَ طَلَبَ تَأْخِيرِهِ كَمَا أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ طَلَبَ تَقْدِيمِهِ، وَقَدْ قَالُوا: إِنَّ " اسْتَقْدَمَ " وَرَدَ بِمَعْنَى قَدِمَ وَأَقْدَمَ وَتَقَدَّمَ كَمَا وَرَدَ " اسْتَجَابَ " بِمَعْنَى أَجَابَ، وَمِثْلُهُ " اسْتَأْخَرَ "، وَلَا يَمْنَعُ هَذَا كَوْنَ الْأَصْلِ فِي السِّينِ وَالتَّاءِ لِلطَّلَبِ أَوْ مَظِنَّةٍ لِلطَّلَبِ، وَالطَّلَبُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ، فَمَنْ أَتَى سَبَبَ الشَّيْءِ كَانَ طَالِبًا لَهُ بِالْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ غَافِلًا عَنِ اسْتِتْبَاعِهِ لَهُ، فَالْأُمَّةُ الَّتِي تَرْتَكِبُ أَسْبَابَ الْهَلَاكِ تَكُونُ طَالِبَةً لَهُ بِلِسَانِ حَالِهَا وَاسْتِعْدَادِهَا وَلَابُدَّ أَنْ يَأْتِيَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الطَّلَبَ هُوَ الَّذِي لَا يُرَدُّ. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ هُنَا أَنَّ الْأُمَّةَ قَدْ تَمْلِكُ طَلَبَ تَأْخِيرِ الْهَلَاكِ قَبْلَ مَجِيءِ أَجَلِهِ، أَيْ قَبْلَ أَنْ تَغْلِبَهَا عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى إِرَادَتِهَا أَسْبَابُ الْهَلَاكِ، ذَلِكَ بِأَنْ تَتْرُكَ الْفَوَاحِشَ وَالْآثَامَ، وَالظُّلْمَ وَالْبَغْيَ، وَالْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ، وَالْإِسْرَافَ فِي التَّرَفِ الْمُفْسِدِ لِلْأَخْلَاقِ، وَخُرَافَاتِ الشِّرْكِ الْمَفْسَدَةَ لِلْعُقُولِ وَالْأَعْمَالِ، وَكَذَا التَّكَالِيفَ التَّقْلِيدِيَّةَ بِتَكْثِيرِ مَا ابْتُدِعَ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، الَّتِي لَمْ يُخَاطِبِ الرَّبُّ بِهَا الْعِبَادَ. وَالْمُرَادُ: أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى الْأُمَّةِ الصَّلَاحَ لِإِصْلَاحِ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ قَدْ جَاءَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ بِالْجَزْمِ، وَغَيْرَ مَشْرُوطٍ بِهَذَا الشَّرْطِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْحِجْرِ: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ) (15: 4، 5) قُلْنَا: إِنَّ امْتِنَاعَ السَّبْقِ وَالتَّأَخُّرِ أَوْ طَلَبَهُ وَالسَّعْيَ لَهُ هُنَا إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عَلِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَأَثْبَتَهُ فِي كِتَابِ مَقَادِيرِ الْعَالَمِ، فَإِنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى لَا يَتَغَيَّرُ، وَسُنَنَهُ لَا تَتَبَدَّلُ وَلَا تَتَحَوَّلُ، وَلِذَلِكَ يَمْتَنِعُ التَّأْخِيرُ أَوْ طَلَبُهُ مِنْ طَرِيقِ أَسْبَابِهِ إِذَا جَاءَ الْأَجَلُ بِالْفِعْلِ، وَلِهَذَا أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ فِي الْحُسْنِ، مِنْهَا مَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالتَّحْدِيدِ، وَمِنْهَا مَا يُعْلَمُ بِالتَّقْرِيبِ. كَقُوَّةِ الْحَرَارَةِ وَتَأْثِيرِهَا فِي الْأَجْسَامِ. وَقُوَّةِ الْمَوَادِّ الضَّاغِطَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الِانْفِجَارِ، كُلٌّ مِنْهُمَا يُضْبَطُ بِحِسَابٍ مَعْلُومٍ. وَمِنْهَا مِقْدَارُ الْمَاءِ الَّذِي يُمْسَكُ وَرَاءَ السُّدُودِ كَخَزَّانِ أَسْوَانَ. فَقُوَّةُ السَّدِّ وَمَقَادِيرُ الْمَاءِ وَقُوَّةُ ضَغْطِهِ مُقَدَّرَةً بِحِسَابٍ. وَكَذَا الْمَاءُ وَالْوَقُودُ الَّذِي تَسِيرُ بِهِ مَرَاكِبُ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَالْغَازُ الْمُحَرِّكُ لِلطَّيَّارَاتِ وَالْمَنَاطِيدِ فِي الْجَوِّ، يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ كُلُّ مَسَافَةٍ مِنْهُ، وَالْجَزْمُ بِوُقُوفِ هَذِهِ الْمَرَاكِبِ بَعْدَ نَفَادِهِ فِي الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لَهُ، وَكُلُّ عَمَلٍ مُنَظَّمٍ بِعِلْمٍ صَحِيحٍ، يَأْتِي فِيهِ مِثْلُ هَذَا التَّقْدِيرِ، وَيَكُونُ ضَبْطُهُ وَتَحْدِيدُهُ بِقَدْرِ إِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِ، مِثْلِ دَرَجَاتِ الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَسُنَنِ الضَّغْطِ وَالْجَذْبِ، كَكَوْنِ جَاذِبِيَّةِ الثِّقْلِ عَلَى نِسْبَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 359
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست