responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 358
مُهْتَدِينَ وَضَالِّينَ - وَصَلَ مَا هُنَا بِبَيَانِ عَاقِبَةِ الْأُمَمِ فِي قَبُولِ هَذِهِ الْأُصُولِ أَوْ رَدِّهَا، وَالِاسْتِقَامَةُ عَلَى طَرِيقَتِهَا بَعْدَ الْقَبُولِ أَوِ الزَّيْغِ عَنْهَا، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى مَقُولِ الْقَوْلِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، أَيْ قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ: (إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ) إِلَخْ دُونَ مَا حَرَّمْتُمْ مِنَ النِّعَمِ وَالْمَنَافِعِ بِأَهْوَائِكُمْ وَجَهَالَاتِكُمْ - وَقُلْ: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) أَيْ أَمَدٌ مَضْرُوبٌ لِحَيَاتِهَا، مُقَدَّرٌ فِيمَا وَضَعَ الْخَالِقُ سُبْحَانَهُ مِنَ السُّنَنِ لِوُجُودِهَا، وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَجَلُ مَنْ يَبْعَثُ اللهُ فِيهِمْ رُسُلًا لِهِدَايَتِهِمْ فَيَرُدُّونَ دَعْوَتَهُمْ كِبْرًا وَعِنَادًا فِي الْجُحُودِ، وَيَقْتَرِحُونَ عَلَيْهِمُ الْآيَاتِ فَيُعْطَوْنَهَا مَعَ إِنْذَارِهِمْ بِالْهَلَاكِ إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا فَيُكَذِّبُونَ فَيَهْلَكُونَ، وَبِهَذَا هَلَكَ أَقْوَامُ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَغَيْرُهُمْ. وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْهَلَاكِ كَانَ خَاصًّا بِأَقْوَامِ الرُّسُلِ أُولِي الدَّعْوَةِ الْخَاصَّةِ لِأَقْوَامِهِمْ، وَقَدِ انْتَهَى بِبِعْثَةِ صَاحِبِ الدَّعْوَةِ الْعَامَّةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ الْمُخَاطَبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ) (21: 107) لَكِنَّ انْتِهَاءَهُ عِنْدَ اللهِ لَا يَمْنَعُ جَعْلَهُ إِنْذَارًا لِقَوْمِهِ خَاصَّةً بِهَلَاكِهِمْ إِنْ أُعْطَوْا مَا اقْتَرَحُوهُ مِنَ الْآيَاتِ إِرْضَاءً لِعِنَادِهِمْ، لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْبَصِيرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَنْعَهُمْ إِيَّاهُ إِنَّمَا كَانَ رَحْمَةً بِهِمْ وَبِغَيْرِهِمْ.
وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ فِي الْأُمَمِ أَنَّ الْجَاحِدِينَ الَّذِينَ يَقْتَرِحُونَ الْآيَاتِ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا، وَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يُعْطِ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ شَيْئًا مِمَّا كَانُوا يَقْتَرِحُونَهُ عَلَيْهِ مِنْهَا، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَتَفْسِيرِهَا، وَهَذَا الْأَجَلُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَهُ تَعَالَى عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الْأَجَلُ الْمُقَدَّرُ لِحَيَاةِ الْأُمَمِ سَعِيدَةً عَزِيزَةً بِالِاسْتِقْلَالِ، الَّتِي تَنْتَهِي بِالشَّقَاءِ وَالْمَهَانَةِ أَوِ الِاسْتِعْبَادِ وَالِاسْتِذْلَالِ، إِنْ لَمْ تَنْتَهِ بِالْفَنَاءِ وَالزَّوَالِ، وَهَذَا النَّوْعُ مَنُوطٌ بِسُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ وَالْعُمْرَانِ، وَأَسْبَابُهُ مَحْصُورَةٌ فِي مُخَالَفَةِ هَدْيِ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، بِالْإِسْرَافِ فِي الزِّينَةِ وَالتَّمَتُّعِ بِالطَّيِّبَاتِ، وَبِاقْتِرَافِ الْفَوَاحِشِ وَالْآثَامِ وَالْبَغْيِ عَلَى النَّاسِ، وَبِخُرَافَاتِ
الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ الَّتِي مَا أَنْزَلَ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، وَبِالْكَذِبِ عَلَى اللهِ بِإِرْهَاقِ الْأُمَّةِ بِمَا لَمْ يُشَرِّعْهُ لَهَا مِنَ الْأَحْكَامِ، تَحَكُّمًا مِنْ رُؤَسَاءِ الدِّينِ عَنْ تَقْلِيدٍ أَوِ اجْتِهَادٍ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (13: 11) .
فَمَا مِنْ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ الْعَزِيزَةِ السَّعِيدَةِ، ارْتَكَبَتْ هَذِهِ الضَّلَالَاتِ وَالْمَفَاسِدَ الْمُبِيدَةَ، إِلَّا سَلَبَهَا اللهُ سَعَادَتَهَا وَعِزَّهَا، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا مَنِ اسْتَذَلَّهَا وَسَلَبَ مُلْكَهَا (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (11: 102) .
وَأَمَامُنَا تَارِيخُ الْيَهُودِ وَالرُّومَانِ وَالْفُرْسِ وَالْعَرَبِ وَالتُّرْكِ وَغَيْرِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ سُلِبَ مُلْكُهُ كُلُّهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ سُلِبَ بَعْضُهُ أَوْ أَكْثَرُهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى رُشْدِهِ، فَإِنَّهُ يُسْلَبُ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْهُ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 358
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست