responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 35
لِلْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ، وَفِي كِبْرِيَائِهِمْ وَحَسَدِهِمْ وَغُرُورِهِمْ، وَكَوْنِهَا هِيَ الْعِلَلَ الْحَقِيقِيَّةَ لِكُفْرِهِمْ وَجُحُودِهِمْ.
بَعْدَ أَنْ رَدَّ اللهُ - تَعَالَى - عَلَى أُولَئِكَ الْمُسْتَكْبِرِينَ الْمَغْرُورِينَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُمْ مِنْ دَعْوَى الِاسْتِعْدَادِ لِمَنْصِبِ الرِّسَالَةِ، يَخْطُرُ فِي بَالِ الْقَارِئِ مَا يُسَائِلُ بِهِ نَفْسَهُ عَنْ جَزَائِهِمْ فَقَالَ تَعَالَى فِي بَيَانِ ذَلِكَ: (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ) هَذَا الْوَعِيدُ صَرِيحٌ فِي كَوْنِ قَائِلِي ذَلِكَ الْقَوْلِ: " لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ " مِنَ الْمُجْرِمِينَ الْمَاكِرِينَ الَّذِينَ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ - تَعَالَى - أَنْ يَكُونُوا أَكَابِرَ وَزُعَمَاءَ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ دَبَّ فِيهَا الْفَسَادُ وَكَانَ أَهْلُهَا مُقَاوِمِينَ لِلْإِصْلَاحِ، وَفِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ عَوْدِ مَكْرِهِمْ عَلَيْهِمْ بِعِقَابِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِاضْطِرَادٍ، وَفِي الدُّنْيَا حَيْثُ يَمْكُرُونَ بِالرُّسُلِ وَيَصُدُّونَ عَمَّا جَاءُوا بِهِ أَوْ مَا يُقَرِّبُ مِمَّا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْإِصْلَاحِ، وَقَدْ قَصَّرَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى ذِكْرِ عِقَابِهِمْ فِي الْآخِرَةِ.
الصَّغَارُ كَالصَّغَرِ (بِالتَّحْرِيكِ) فِي الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ، كَالصِّغَرِ (بِوَزْنِ الْعِنَبِ) فِي الْأَشْيَاءِ الْحِسِّيَّةِ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ وَقَدْ فَسَّرُوهُ بِالذِّلَّةِ وَالْهَوَانِ، جَزَاءً عَلَى الْكِبْرِ وَالطُّغْيَانِ. وَفَسَّرَ الرَّاغِبُ الصَّاغِرَ بِالرَّاضِي بِالْمَنْزِلَةِ الدَّنِيَّةِ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، وَالتَّحْقِيقُ فِي تَفْسِيرِ (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (9: 29) أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّغَارِ خُضُوعُهُمْ لِأَحْكَامِنَا.
وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ أَنَّ إِعْطَاءَهُمْ إِيَّاهَا هُوَ الصَّغَارُ، أَيْ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ وَخُضُوعٌ لِغَيْرِهِمْ، وَهُنَاكَ قَوْلَانِ آخَرَانِ لَهُمْ: (أَحَدُهُمَا) مَا رَوَاهُ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ تَأْخُذَهَا وَأَنْتَ جَالِسٌ وَهُوَ قَائِمٌ. (وَثَانِيهُمَا) أَنْ يَمْشُوا بِهَا وَيَنْقُلُوهَا إِلَى الْعَامِلِ.
وَلَيْسَ هَذَا وَلَا ذَاكَ بِمَعْنَى الصَّغَارِ فِي اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ قَائِلُوهُمَا أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِهِمَا، وَلَمْ يُرِيدُوا أَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِوَضْعِهِ اللُّغَوِيِّ.
وَمَعْنَى كَوْنِ هَذَا الصَّغَارِ يُصِيبُهُمْ عِنْدَ اللهِ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، إِذْ كُلُّ مَا فِيهَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عِنْدَ اللهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ هُنَالِكَ تَصَرُّفٌ مَا وَلَا تَأْثِيرٌ، لَا كَالدُّنْيَا الَّتِي صَرَفَ اللهُ فِيهَا النَّاسَ أَنْوَاعًا مِنَ التَّصَرُّفِ. أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِمَّا اقْتَضَاهُ حُكْمُهُ وَعَدْلُهُ وَسَبْقَ بِهِ تَقْدِيرُهُ، فَإِنَّ مَا هُوَ ثَابِتٌ عِنْدَ اللهِ فِي حُكْمِهِ الْقَدَرِيِّ التَّكْوِينِيِّ الَّذِي دَبَّرَ بِهِ نِظَامَ الْخَلْقِ وَمَا ثَبَتَ فِي حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ التَّكْلِيفِيِّ الَّذِي أَقَامَ بِهِ الْعَدْلَ وَالْحَقَّ، يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ عِنْدَهُ. قَالَ تَعَالَى فِي أَهْلِ الْإِفْكِ: (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (24: 13) ثُمَّ قَالَ فِيهِ: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) (24: 15) وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَصِحُّ أَنْ يَحْصُلَ هَذَا الْجَزَاءُ لَهُمْ بِالصَّغَارِ عَلَى اسْتِكْبَارِهِمْ عَنِ الْحَقِّ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْآخِرَةِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ مَا يُصِيبُهُمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 35
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست