responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 324
(إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) الْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْ تَمْكِينِ الشَّيْطَانِ مِمَّا يَبْغِي مِنَ الْفِتْنَةِ، وَتَأْكِيدٌ لِلتَّحْذِيرِ مِنْهُ وَالتَّذْكِيرِ بِعَدَاوَتِهِ وَضَرَرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرَانَا هُوَ وَقَبِيلُهُ أَيْ جُنُودُهُ وَذُرِّيَّتُهُ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَلَا نَرَاهُمْ (وَأَصْلُ الْقَبِيلِ: الْجَمَاعَةُ كَالْقَبِيلَةِ وَخَصَّ بَعْضُهُمُ الْقَبِيلَةَ بِمَنْ كَانَ لَهُمْ أَبٌ وَاحِدٌ وَالْقَبِيلُ أَعَمُّ) وَ (حَيْثُ) ظَرْفُ مَكَانٍ، أَيْ يَرَوْنَكُمْ مِنْ حَيْثُ يَكُونُونَ غَيْرَ مَرْئِيِّينَ مِنْكُمْ، وَالضَّرَرُ إِذَا جَاءَ مِنْ حَيْثُ لَا يُرَى كَانَ خَطَرُهُ أَكْبَرَ، وَوُجُوبُ الْعِنَايَةِ بِاتِّقَائِهِ أَشَدَّ، كَاتِّقَاءِ أَسْبَابِ بَعْضِ الْأَدْوَاءِ وَالْأَوْبِئَةِ الَّتِي تَثْبُتْ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِرُؤْيَةِ الْعَيْنَيْنِ بِالْمِجْهَرِ - أَيِ الْمِرْآةِ أَوِ النَّظَّارَةِ الْمُكَبِّرَةِ لِلْمَرْئِيَّاتِ - وَهُوَ أَنَّ لِكُلِّ دَاءٍ مِنْهَا جِنَّةً مِنَ الدِّيدَانِ أَوِ الْهَوَامِّ الْخَفِيَّةِ تَنْفُذُ إِلَى الْبَدَنِ بِنَقْلِ الذُّبَابِ أَوِ الْبَعُوضِ أَوِ الْقَمْلِ أَوِ الْبَرَاغِيثِ، أَوْ مَعَ الطَّعَامِ أَوِ الشَّرَابِ أَوِ الْهَوَاءِ، فَتَتَوَالَدُ وَتُنَمَّى بِسُرْعَةٍ عَجِيبَةٍ حَتَّى تُفْسِدَ عَلَى الْمَرْءِ رِئَتَهُ فِي دَاءِ السُّلِّ، وَأَمْعَاءَهُ فِي الْهَيْضَةِ الْوَبَائِيَّةِ، وَدَمَهُ فِي الطَّاعُونِ وَالْحُمَّيَاتِ الْخَبِيثَةِ، وَقَدْ أُشِيرَ فِي الْحَدِيثِ إِلَى سَبَبِ الطَّاعُونِ فِيمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ مِنْ وَخْزِ الْجِنِّ، وَإِلَى دَاءِ السُّلِّ فِيمَا وَرَدَ مِنْ تَحَوُّلِ الْغُبَارِ فِي الصَّدْرِ إِلَى نَسَمَةٍ.
وَفِعْلُ جِنَّةِ الشَّيَاطِينِ فِي أَنْفُسِ الْبَشَرِ كَفِعْلِ هَذِهِ الْجِنَّةِ الَّتِي يُسَمِّيهَا الْأَطِبَّاءُ الْمَيَكْرُوبَاتِ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَفِي غَيْرِهَا مِنْ أَجْسَامِ الْأَحْيَاءِ: تُؤَثِّرُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ لَا تُرَى فَتُتَّقَى. وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِلْعُقَلَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا فِي اتِّقَاءِ ضَرَرِهَا بِنَصَائِحِ أَطِبَّاءِ الْأَبْدَانِ - وَلَا سِيَّمَا فِي أَوْقَاتِ الْأَوْبِئَةِ - كَاسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرَاتِ الطِّبِّيَّةِ وَالتَّوَقِّي مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ الْمُلَوَّثِ بِوُصُولِ شَيْءٍ إِلَيْهِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الْمُصَابِينَ بِالْهَيْضَةِ أَوِ الْحُمَّى التَّيْفُوئِيدِيَّةِ، إِلَّا أَنْ يُغْلَى ثُمَّ يُحْفَظَ فِي آنِيَةٍ نَظِيفَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانُوا يَرَوْنَ تِلْكَ الْجِنَّةَ بِأَعْيُنِهِمْ كَمَا يَرَاهَا الْأَطِبَّاءُ بِمُجَاهَرِهِمْ لَاتَّقَوْهَا مِنْ غَيْرِ تَوْصِيَةٍ بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ. وَالْوِقَايَةُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا اتِّخَاذُ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَمْنَعُ طُرُوءَهَا مِنَ الْخَارِجِ، كَالَّذِي تَفْعَلُهُ الْحُكُومَاتُ فِي الْمَحَاجِرِ الصِّحِّيَّةِ فِي ثُغُورِ الْبِلَادِ وَمَدَاخِلِهَا، أَوْ فِي أَمْكِنَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْهَا كَجَزَائِرِ الْبِحَارِ لِلْوِقَايَةِ الْعَامَّةِ لِلْبِلَادِ كُلِّهَا. أَوْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ دُونَ بَعْضٍ، وَمِثْلُهُ مَا يَتَّخِذُهُ أَهْلُ الْبُيُوتِ لِوِقَايَةِ بُيُوتِهِمْ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: تَقْوِيَةُ الْأَبْدَانِ بِالْأَغْذِيَةِ الْجَيِّدَةِ وَالنَّظَافَةِ التَّامَّةِ لِتَقْوَى عَلَى مَنْعِ فَتْكِ هَذِهِ الْجِنَّةِ فِيهَا إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْهَا، كَمَا يُتَّقَى تَوَلُّدُ السُّوسِ فِي حَبِّ الْحَصِيدِ بِتَجْفِيفِهِ وَوَضْعِ بَعْضِ الْمَوَادِّ
الْوَاقِيَةِ فِيهِ، وَكَمَا يُتَّقَى وُصُولُ الْعُثِّ إِلَى الثِّيَابِ الصُّوفِيَّةِ بِمَنْعِ وُصُولِ الْغُبَارِ إِلَيْهَا، أَوْ بِوَضْعِ الدَّوَاءِ الْمُسَمَّى بِالنَّفْتَالِينِ بَيْنَهَا، وَهُوَ يَقْتُلُ الْعُثَّ بِرَائِحَتِهِ.
كَذَلِكَ يَجِبُ الْأَخْذُ بِإِرْشَادِ طِبِّ الْأَنْفُسِ وَالْأَرْوَاحِ فِي وِقَايَتِهَا مِنْ فَتْكِ جِنَّةِ الشَّيَاطِينِ فِيهَا بِالْوَسْوَسَةِ الَّتِي تُزَيِّنُ لِلنَّاسِ الْأَبَاطِيلَ وَالشُّرُورَ الْمُحَرَّمَةَ فِي هَذَا الطِّبِّ لِشِدَّةِ ضَرَرِهَا - وَلَمْ يُحَرِّمِ الدِّينُ شَيْئًا عَلَى النَّاسِ إِلَّا لِضَرَرِهِ وَإِفْسَادِهِ - فَإِنَّ مَدَاخِلَهَا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَتَأْثِيرَهَا فِي

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 324
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست