responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 323
وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا اللِّبَاسُ حِسِّيًّا، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مَعْنَوِيًّا، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ أَنَّ لِبَاسَهُمَا كَانَ الظُّفْرُ، وَأَنَّهُ نُزِعَ عَنْهُمَا بِسَبَبِ الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ وَتُرِكَتِ الْأَظْفَارُ فِي رُءُوسِ الْأَصَابِعِ تَذْكِرَةً وَزِينَةً، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمَا نُورٌ يَمْنَعُ رُؤْيَةَ السَّوْءَتَيْنِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِلِبَاسِهِمَا، وَقَدْ بَيَّنَّا
هُنَالِكَ أَنَّ هَذَا وَذَاكَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا. وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: (يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا) قَالَ: التَّقْوَى. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا، بَلْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اللِّبَاسُ غَيْرَهَا، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خَبَرٌ تَثْبُتُ بِهِ الْحُجَّةُ. وَاخْتَارَ التَّفْوِيضُ وَتَرْكُ تَعْيِينِ ذَلِكَ اللِّبَاسِ.
وَهَذَا مَا اعْتَمَدْنَا عَلَيْهِ هُنَالِكَ فِي رَدِّ الرِّوَايَاتِ؛ فَإِنَّ التَّعْيِينَ فِي مِثْلِهَا لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ مِنَ الْمَعْصُومِ. وَأَمَّا مَا رَجَّحْنَاهُ مِنْ غَيْرِ جَزْمٍ، فَأَخَذْنَاهُ مِنْ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي التَّكْوِينِ وَبَدْءِ الْخَلْقِ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى كَرَاهَةِ رُؤْيَةِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ سَوْءَةَ الْآخَرِ حَتَّى فِي خَلْوَةِ الْمُبَاعَلَةِ الزَّوْجِيَّةِ. وَإِنَّمَا الْقِصَّةُ مُبَيِّنَةٌ لِحَالِ الْفِطْرَةِ وَلَيْسَ فِيهَا حُكْمُ التَّكْلِيفِ الشَّرْعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. هَلْ هُوَ الْكَرَاهَةُ أَوِ الْإِبَاحَةُ؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْقَوْلَ بِكَرَاهَةِ مَا ذُكِرَ حَرَجٌ شَدِيدٌ وَتَحَكُّمٌ فِي الْفِطْرَةِ، وَحَجْرٌ عَلَيْهَا فِي صِفَةِ التَّمَتُّعِ الْحَلَّالِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا بِمَا لَا تَظْهَرُ لَهُ حِكْمَةٌ، وَالْمُخْتَارُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْمُبَاحِ وَلَا حَجْرَ فِيهِ وَلَا حَرَجَ. وَمَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ السُّنَّةِ فَآدَابٌ إِرْشَادِيَّةٌ لِلْخَوَاصِّ يَسْتَفِيدُ كُلٌّ مِنْهَا بِقَدْرِ سَلَامَةِ فِطْرَتِهِ، وَدَرَجَةِ أَدَبِهِ وَفَضِيلَتِهِ كَحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى مِنْهَا وَلَا رَأَتْ مِنْهُ. وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ جَعْلَ رُؤْيَةِ السَّوْءَةِ وَلَا سِيَّمَا بَاطِنُهَا مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا فَلَا يَحْسُنُ التَّمَادِي فِيهَا - مِمَّا لَا تَظْهَرُ لَهُ حِكْمَةٌ تَلِيقُ بِدِينِ الْفِطْرَةِ؛ فَإِنَّ إِطْلَاقَ الْعِنَانِ فِي الْمُبَاحَاتِ كُلِّهَا قَدْ يُفْضِي إِلَى الْإِسْرَافِ الضَّارِّ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ صَاحِبُهُ زِيَادَةَ اللَّذَّةِ فَيَصْدُقُ قَوْلُ الْأَمْثَالِ: مَنْ طَلَبَ الزِّيَادَةَ وَقَعَ فِي النُّقْصَانِ. وَرُبَّ أَكْلَةٍ هَاضَتِ الْآكِلَ وَحَرَمَتْهُ مَآكِلَ، وَمَا جَاوَزَ حَدَّهُ جَاوَرَ ضِدَّهُ. وَلَكِنَّ هَذِهِ حِكْمَةٌ عَالِيَةٌ لَا يَفْقَهُهَا إِلَّا حَكِيمٌ خَبِيرٌ يَعْلَمُ أَنَّ مَنْ أَعْطَى نَفْسَهُ مُنْتَهَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ اللَّذَّةِ - وَإِنْ مُبَاحَةً - فَلَمْ يَقِفْ عِنْدَ حَدِّ أَدَبٍ شَرْعِيٍّ وَلَا فِطْرِيٍّ وَلَا طِبِّيٍّ آلَ أَمْرُهُ فِي الْإِسْرَافِ إِلَى إِضْعَافِ هَذِهِ اللَّذَّةِ، حَتَّى يَحْتَاجَ فِي إِثَارَتِهَا إِلَى الْمُعَالَجَةِ وَالْأَدْوِيَةِ ثُمَّ لَا تَكُونُ إِلَّا نَاقِصَةً وَيُكَرِّرُ إِضْعَافَهَا بَعْدَ إِثَارَتِهَا بِسُنَّةِ رَدِّ الْفِعْلِ حَتَّى تَكُونَ مَرَضًا. وَيَكُونُ صَاحِبُهَا حَرَضًا أَوْ يَكُونُ مِنَ الْهَالِكِينَ، وَلِهَذَا تَرَى أَكْثَرَ الْمُتْرَفِينَ سَيِّئِي الْهَضْمِ شَدِيدِي الْإِقْهَاءِ وَالطَّسِّيِّ يُكْثِرُونَ حَتَّى فِي سِنِّ الشَّبَابِ مِنَ الْأَدْوِيَةِ وَالْمُحَرِّضَاتِ عَلَى الطَّعَامِ، وَالْمَعَاجِينِ وَالْحُبُوبِ السَّامَّةِ
الَّتِي تُقَوِّي الْبَاهَ فَتَنْتَابُهُمُ الْأَمْرَاضُ وَالْأَسْقَامُ، وَيُسْرِعُ إِلَيْهِمُ الْهَرَمُ إِذَا لَمْ يُسْرِعِ الْحِمَامُ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 323
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست