responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 322
بِتَجَرُّدِهِ مِنْهَا مَثَلًا. كَأَنْ تَقُولَ لِبَعْضِ أَحْفَادِ الْخِدِيوِي تَوْفِيقٍ يَا ابْنَ إِسْمَاعِيلَ، أَوْ هَذَا ابْنُ إِسْمَاعِيلَ فِي مَقَامِ السَّخَاءِ وَسَعَةِ الْعَطَاءِ إِثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا. وَلَوْ قُلْتَ لَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَا ابْنَ تَوْفِيقٍ كَانَ خَطَأً؛ فَإِنَّ تَوْفِيقًا لَمْ يَشْتَهِرْ بِصِفَةِ السَّخَاءِ وَكَثْرَةِ الْهِبَاتِ. وَتَسْمِيَةُ النَّاسِ أَبْنَاءَ آدَمَ مِنَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ. وَفِي كُلٍّ مِنْهَا تَدُلُّ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ الْمَنْسُوبَ إِلَيْهِ أَحَدُ الْأَجْدَادِ وَلَيْسَ هُوَ الْأَبُ. فَمَنِ اسْتَدَلَّ بِالنِّدَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى أَنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ يَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ بِدَلَالَةِ اللُّغَةِ فَقَدْ أَخْطَأَ.
وَالْفِتْنَةُ: الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ، وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَتَنَ الصَّائِغُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إِذَا عَرَضَهُمَا
عَلَى النَّارِ لِيَعْرِفَ الزَّيْفَ مِنَ النُّضَارِ. وَحَجَرُ الصَّائِغِ الَّذِي يَخْتَبِرُهُمَا بِهِ يُسَمَّى الْفَتَّانَةَ، وَالْفِتْنَةُ تَكُونُ بِالْمِحَنِ وَالشَّدَائِدِ غَالِبًا، وَقَدْ تَكُونُ بِالِاسْتِمَالَةِ بِالشَّهَوَاتِ فَإِنَّ الصَّبْرَ عَنِ الشَّهَوَاتِ قَدْ يَكُونُ أَعْسَرَ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى الشَّدَائِدِ.
وَمَعْنَى (لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ) : لَا تَغْفُلُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَوَسْوَسَتِهِ لَكُمْ فَتُمَكِّنُوهُ بِذَلِكَ مِنْ خِدَاعِكُمْ بِهَا وَإِيقَاعِكُمْ فِي الْمَعَاصِي، كَمَا وَسْوَسَ لِأَبَوَيْكُمْ آدَمَ وَحَوَّاءَ فَزَيَّنَ لَهُمَا مَعْصِيَةَ رَبِّهِمَا. فَفَتَنَهُمَا حَتَّى عَصَيَاهُ بِالْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَاهُمَا عَنْهَا، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِخُرُوجِهِمَا مِنَ الْجَنَّةِ الَّتِي كَانَا يَتَمَتَّعَانِ بِنَعِيمِهَا، وَدَخَلَا فِي طَوْرٍ آخَرَ مِنَ الْحَيَاةِ يُكَابِدُونَ فِيهَا شَقَاءَ الْمَعِيشَةِ وَهُمُومَهَا وَأَنَّ الْفِتْنَةَ الَّتِي تَحْرِمُ الْمَفْتُونَ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ أَسْهَلُ مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي تُخْرِجُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا تَفَاوَتَ نَعِيمُ الْجَنَّتَيْنِ وَمُدَّةُ اللُّبْثِ فِيهِمَا.
(يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا) أَيْ أَخْرَجَهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ حَالَ كَوْنِهِ نَازِعًا عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا - أَيْ سَبَبًا لِنَزْعِ مَا اتَّخَذَاهُ لِبَاسًا لَهُمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ لِأَجْلِ أَنْ يُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا أَوْ لِتَكُونَ عَاقِبَةُ ذَلِكَ إِرَاءَتَهُمَا سَوْآتِهِمَا دَائِمًا. وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا مَا هُوَ الْمَعْقُولُ مِنْ أَنَّهُمَا كَانَا يَعِيشَانِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا عُرْيَانَيْنِ إِذْ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ ثِيَابٌ تُصْنَعُ وَمَا ثَمَّ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ حَيْثُ يُوجَدُ.
وَلَا نَعْلَمُ أَكَانَ يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ شَجَرٌ ذُو وَرَقٍ عَرِيضٍ فِي غَيْرِ الْجَنَّةِ الَّتِي أُخْرِجَا مِنْهَا؟ وَجَمِيعُ الْبَاحِثِينَ فِي طَبَائِعِ الِاجْتِمَاعِ وَعَادِيَّاتِ الْبَشَرِ وَآثَارِهِمْ يَجْزِمُونَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ الِاهْتِدَاءِ إِلَى الصِّنَاعَاتِ يَعِيشُونَ عُرَاةً، وَأَنَّ أَوَّلَ مَا اكْتَسَوْا بِهِ وَرَقُ الشَّجَرِ وَجُلُودُ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يَصْطَادُونَهَا، وَلَا يَزَالُ فِي الْمُتَوَحِّشِينَ مِنْهُمْ مَنْ يَعِيشُ كَذَلِكَ، وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ جَعْلُهُمْ (يَنْزِعُ) حَالًا مِنْ فَاعِلِ يُخْرِجُ، وَمِثْلُهُ جَعَلَهُ حَالًا (مِنْ أَبَوَيْكُمْ) الَّذِي هُوَ مَفْعُولُ يُخْرِجُ، وَلَكِنَّ جَمِيعَ مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ يَجْعَلُ مَا هَنَا عَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ظُهُورِ سَوْآتِهِمَا لَهُمَا عَقِبَ الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ مِنَ الْجَنَّةِ، الَّذِي كَانَ بَعْدَ سَتْرِهِمَا سَوْآتِهِمَا بِمَا خَصَفَا عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِهَا، وَالْمُتَبَادَرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ ذَلِكَ وَهُنَالِكَ لَمْ يَقُلْ إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمَا لِبَاسٌ فَنُزِعَ، وَإِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ مُوَارًى فَظَهَرَ، فَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَرَى مِنْ نَفْسِهِ وَمِنَ الْآخَرِ مَا لَمْ يَكُنْ يَرَى.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 322
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست