responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 293
فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ: (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (41: 11) وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ فِي أَثْنَاءِ الْقِصَّةِ وَفِي نِهَايَتِهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى - وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذَا السُّجُودَ كَرَامَةٌ كَرَّمَ اللهُ بِهَا آدَمَ. وَقَالَ: كَانَتِ السَّجْدَةُ لِآدَمَ وَالطَّاعَةُ لِلَّهِ. وَمِثْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ، وَزَادَ أَنَّ إِبْلِيسَ حَسَدَ آدَمَ عَلَى هَذَا التَّكْرِيمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَكْرِيمٌ امْتَحَنَ اللهُ تَعَالَى بِهِ طَاعَةَ ذَلِكَ الْعَالَمِ الْغَيْبِيِّ لَهُ فَظَهَرَتْ عِصْمَةُ
الَّذِينَ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ وَفَسَقَ إِبْلِيسُ، قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْلِيسَ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) (17: 62) حَسَدَهُ عَلَى هَذَا التَّكْرِيمِ فَحَمَلَهُ الْحَسَدُ عَلَى الِاسْتِكْبَارِ وَالْفُسُوقِ عَنْ أَمْرِ اللهِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي الْبَقَرَةِ وَالْكَهْفِ وَغَيْرِهِمَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ جَوَابُ السُّؤَالِ التَّالِي.
(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) أَيْ قَالَ تَعَالَى لَهُ: مَا مَنَعَكَ مِنِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ فَحَمَلَكَ عَلَى أَلَّا تَسْجُدَ لِآدَمَ مَعَ السَّاجِدِينَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرْتُكَ فِيهِ بِالسُّجُودِ؟ وَاسْتَدَلَّ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ عَلَى الْفَوْرِ، (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) أَيْ مَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ أَنَّنِي أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّكَ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينَ، وَالنَّارُ خَيْرٌ مِنَ الطِّينِ وَأَشْرَفُ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْأَشْرَفِ أَنْ يُكَرِّمَ مَنْ دُونِهِ وَيُعَظِّمَهُ، أَيْ وَإِنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ رَبُّهُ، وَهَذَا الْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ ضُرُوبًا مِنَ الْجَهْلِ الْفَاضِحِ، مَا أَوْقَعَ اللَّعِينَ فِيهَا إِلَّا حَسَدُهُ وَكِبْرُهُ فَإِنَّهُمَا يُعْمِيَانِ الْبَصَائِرَ.
(الْأَوَّلُ) الِاعْتِرَاضُ عَلَى رَبِّهِ وَخَالِقِهِ كَمَا تَضَمَّنَهُ جَوَابُهُ، وَمِثْلُهُ فِي هَذَا كُلُّ مَنْ يَعْتَرِضُ عَلَى كَلَامِ اللهِ تَعَالَى فِيمَا لَا يُوَافِقُ هَوَاهُ، وَهَذَا كُفْرٌ لَا يَقَعُ مِثْلُهُ مِنْ مُؤْمِنٍ بِاللهِ وَبِكِتَابِهِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ أَوْ حِكْمَةٌ لِلَّهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ بَحَثَ عَنْهَا بِالتَّفَكُّرِ وَالْبَحْثِ وَسُؤَالِ الْعُلَمَاءِ، وَصَبَرَ إِلَى أَنْ يَهْتَدِيَ إِلَى مَا يَطْمَئِنُّ بِهِ قَلْبُهُ، مُكْتَفِيًا قَبْلَ ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْلَمُ مَا لَا يُعْلَمُ مِنْ حَقَائِقِ خَلْقِهِ، وَحِكَمِ شَرْعِهِ، وَفَوَائِدِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ.
(الثَّانِي) الِاحْتِجَاجُ عَلَيْهِ بِمَا يُؤَيِّدُ بِهِ اعْتِرَاضَهُ، وَالْمُؤْمِنُ الْمُذْعِنُ لَا يَحْتَجُّ عَلَى رَبِّهِ، بَلْ يَعْلَمُ أَنَّ لِلَّهِ الْحُجَّةَ الْبَالِغَةَ.
(الثَّالِثُ) جَعْلُ امْتِثَالِ أَمْرِ الرَّبِّ تَعَالَى مَشْرُوطًا بِاسْتِحْسَانِ الْعَبْدِ لَهُ وَمُوَافَقَتِهِ لِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ، وَهُوَ رَفْضٌ لِطَاعَةِ الرَّبِّ، وَتَرَفُّعٌ عَنْ مَرْتَبَةِ الْعَبْدِ، وَتَعَالٍ مِنْهُ إِلَى وَضْعِ نَفْسِهِ مَوْضِعَ النِّدِّ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الدِّينِ كُفْرٌ، وَفِي الْعَقْلِ حَمَاقَةٌ وَجَهْلٌ، فَإِنَّ الرَّئِيسَ لِأَيَّةِ حُكُومَةٍ أَوْ جَيْشٍ أَوْ جَمْعِيَّةٍ أَوْ شَرِكَةٍ إِذَا كَانَ لَا يُطِيعُهُ الْمَرْءُوسُونَ لَهُ إِلَّا فِيمَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ، وَآرَاءَهُمْ، لَا يَلْبَثُ أَمْرُهُمْ أَنْ يَفْسُدَ بِأَنْ تَخْتَلَّ الْحُكُومَةُ وَتَسْقُطَ، وَيَنْكَسِرَ الْجَيْشُ وَيَهْلَكَ، وَتَنْحَلَّ الشَّرِكَةُ وَتُفْلِسَ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَصْلَحَةٍ يَقُومُ بِإِدَارَتِهَا كَثْرَةٌ، يَرْجِعُ نِظَامُهَا إِلَى جِهَةٍ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 293
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست